رغم فوائدها .. ما أسباب ضعف استهلاك الأسماك؟
رغم إجماع علماء التغذية على فائدة الأسماك بالنسبة إلى الإنسان، كونها مصدرا غنيا بالبروتينات عالية الجودة، إلا أن استهلاك الفرد في المملكة منها بين 8.9 و10.75 كيلوجرام في العام، وهو رقم يعد ضئيلا مقارنة بالدواجن واللحوم الحمراء، حيث نجد أن المملكة ثالث أعلى دولة في العالم في معدل استهلاك منتجات الدواجن بما يزيد على 50 كيلوجراما للفرد في السنة، أي خمسة أضعاف استهلاك الأسماك، و28 كيلوجراما من اللحوم الحمراء بحسب إحصائية لعام 2018.
وصل استهلاك المملكة عام 2019 من الأسماك 350 ألف طن يشمل ما يتم إنتاجه محليا وما يتم استيراده مخصوما منه ما تم تصديره، وحيث إن سكان المملكة من المواطنين والمقيمين 32،552،336 نسمة أي أن نصيب الفرد 10.75 كيلوجرام، وحيث يتم تصدير نحو 60 ألف طن من الروبيان فإنه ينخفض الاستهلاك إلى 8.9 كيلوجرام.
في المقابل، يبلغ معدل الاستهلاك العالمي للأسماك نحو 21.3 كيلوجرام حسب إحصائيات منظمة (الفاو) 2018 بينما تسجل المالديف 143 كيلوجراما للفرد كأعلى معدل عالمي، فيما سجلت آيسلندا 90.1 كيلوجرام، اليابان 62 كيلوجراما، ماليزيا 56 كيلوجراما، والصين 50 كيلوجراما للفرد الواحد في السنة. وتسجل جميع الدول الخليجية والعربية معدلات أقل بقليل من المعدل العالمي عدى عمان 27.5 كيلوجرام.
وقبل مناقشة هذا الوضع، لا بد من معرفة أهمية الأسماك غذائيا، حيث وجبة رئيسية لمعظم الناس ولا سيما قاطني السواحل وضفاف الأنهار والبحيرات، ومصدرا غنيا بالبروتينات عالية الجودة، إذ إنه يوفر 16في المائة من نسبة البروتين الحيواني المستهلك حول العالم، وذلك تبعا لمقالة نشرتها مجلة EMBO Reports وإضافة إلى ذلك فإن الأسماك والمنتجات البحرية تحتوي على كميات عالية من الدهون غير المشبعة، والمغذيات الدقيقة وذات قيمة غذائية عالية.
ويمتاز البروتين السمكي بأنه أسهل البروتينات الغذائية هضما، كما أن لحوم الأسماك تحتوي على عناصر معدنية متعددة كالفوسفور واليود والكالسيوم والماغنيسيوم والكبريت، والأسماك تحتوي على دهون تختلف نسبها حسب نوع السمك وموسم الصيد، فالبعض يحتوي على نسب دهون منخفضة تراوح بين 5 و2 في المائة، مثل الدنيس والقارص والبلطي والبياض والهامور وسمك موسى والجمبري، والبعض يحتوي على نسب دهون مرتفعة قد تصل إلى 20 في المائة أو أكثر مثل سمك الكنعد والسردين والماكريل والأنشوفه والرنجة والبوري والسلمون والزبيدي إلا أن هذه الدهون (الزيوت) سمكية المصدر وغنية بالأوميجا 3 ذات الأهمية الطبية للقلب والشرايين ومحفزة لهرمونات السعادة ومضادات الاكتئاب والخرف مثل السيروتونين، الإندروفين، الدوبامين، والأوكسيتوسين. حيث تساعد كذلك على خفض مستوى الكوليسترول في دم الإنسان.
جميع علماء التغذية مجمعون على جودة المنتجات السمكية سواء الطازجة أو المجمدة أو المعلبة أو المملحة، ولا شك أن الأسماك كلما كانت طازجة كانت أكثر قبولا وإقبالا وإن كان هناك من يرى أن طزاجة الأسماك تبدأ بالعد التنازلي من خروج السمك من البحر ونقله وتداوله في الأسواق إلى حين وصوله إلى المستهلك النهائي وكلما كانت هذه السلسلة من محطات التداول تراعي الاشتراطات الصحية اللازمة للحفاظ على طزاجة الأسماك انعكس ذلك على جودتها ومن هذه الاشتراطات ملازمة الثلج وخفض درجة حرارة سيارة النقل وصناديق التعبئة إلى قريب الصفر المئوي وهذا أمر قد لا يكون متوافرا في معظم هذه المحطات ولا سيما أسواق حراج الأسماك التقليدية.
ويحدث الفساد في الأسماك عند ارتفاع درجة الحرارة بسرعة النشاط الإنزيمي لتحلل أنسجة الأسماك اللينة أصلا ولذلك تعمد الشركات المنتجة للأسماك المستزرعة لوقف النشاط الإنزيمي بنقل الأسماك والروبيان بحالته الحية الطبيعية مباشرة في الثلج المسال ليصعق بالبرودة من الداخل والخارج ويطمر بالثلج ليبدأ بعدها مرحلة التداول بنشاط أنزيمي متوقف أو شبه متوقف، وبعض المنتجات خاصة المعدة للتصدير أو التداول البطيء يتم حفظها بطريقة التجميد الفردي السريع IQF) individually quick frozen ) بحيث يستطيع المستهلك أخذ ما يحتاج من الأسماك أو الروبيان دون الحاجة إلى إذابة كامل المنتج المعبأ، ولذلك قد تجد بعض المستهلكين يفضل هذه المنتجات على المنتجات الطازجة حيث إنه تم حفظها سريعا بكل مكوناتها الغذائية وعند إذابتها تكون في حالة أقرب إلى الطازجة ولو كانت مدة الحفظ سنة أو أكثر.
وللوقوف على أسباب تدني استهلاك الأسماك في المملكة، أجريت استفتاء لعديد من شركات ومطاعم الأسماك في المملكة والمهتمين، وأشكر من تجاوب معي في ذلك جزيل الشكر.
ويمكن حصر أهم الأسباب التي وردتني في الثقافة السائدة بالجزيرة العربية عموما عدا المناطق الساحلية، فالأسماك ليست ضمن قائمة الأطعمة المتعارف عليها فيها ويعزز هذا الرأي احصائية قامت بها وزارة الزراعة آنذاك في نهاية التسعينيات الميلادية بينت أن استهلاك الأسماك في منطقة مكة المكرمة وجازان بلغ 28 كيلوجراما للفرد بينما بلغ 18 كيلوجراما في المنطقة الشرقية في حين سجلت منطقة الرياض خمسة كيلوجرامات ومنطقة الحدود الشمالية أقل من كيلوجرام. وتباين تأثير الثقافة بين من يرى أن تقديم الأسماك لا يمكن أن يكون من مظاهر الكرم للضيوف بل وجد من يعيب ويشنع فعل ذلك!
وهناك من أضاف الدور الاقتصادي واللوجستي، فالأسماك تعد نسبيا أغلى من الدواجن ولا تتوافر أسوة بالدواجن في معظم منافذ التسويق كالبقالات المنتشرة في الأحياء والحصول عليها إما يتطلب الذهاب إلى أسواق الأسماك وإما الأسواق المركزية الكبيرة، وعدم توافر منتجاتها مطورة أسوة بالدواجن واللحوم الحمراء مثل (الفيليه، والبرجر، النقت، والكباب، والكفتة، والشاورما) وتقديمها للمستهلك دون أشواك أو قشور، ومن الأسباب أيضا أن الأسماك متعددة الأنواع وصعوبة معرفة الطازج منها من القريب المنتهي للصلاحية، وقلة المعرفة بطبخ وإعداد وجبات الأسماك وأن ذلك يسبب رائحة في المنازل ولا سيما الشقق السكنية، وهناك من يرى أن من الأسباب ضعف الوعي بأهمية الأسماك من الناحية الغذائية.
وأرى أن جميع هذه الأسباب جوهرية وجديرة بالعناية والدراسة من قبل الجهات الرسمية وشركات ومطاعم ومنتجي الأسماك للإسهام في رفع الاستهلاك للفرد من الأسماك لينعكس على صحة الأجيال القادمة ويحدث تنوعا في النمط الغذائي في المائدة السعودية.