الحاجة إلى نظام للوقف الخاص أو المشترك
صدر من مجلس الوزراء، الأسبوع الماضي، قرار بمنح الهيئة العامة للأوقاف صلاحية ممارسة اختصاصها الإشرافي على الأوقاف في المملكة وأعمال النظار عليها. والهيئة حديثة عهد، صدر نظامها بمرسوم ملكي في 1437هـ. ونص النظام على أن الهيئة تهدف إلى تنظيم الأوقاف، والمحافظة عليها، وتطويرها، وتنميتها، بما يحقق شروط واقفيها، ويعزز دورها في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكافل الاجتماعي، وفقا لمقاصد الشريعة الإسلامية والأنظمة. وفي هذا تتولى الهيئة مهام عديدة، مثل تسجيل جميع الأوقاف، واتخاذ إجراءات لتطوير العمل الوقفي.
وتبعا لتلك الأهداف، نص النظام على إشراف الهيئة على جميع الأوقاف العامة والخاصة، والمشتركة. والوقف الخاص هو المشروط على معين من ذرية وأقارب. أما المشترك، فيشترك في شرطه الذرية وأوجه بر عامة.
مما جاء في نظام الهيئة حقها في اقتراح الأنظمة المتعلقة بنشاط الأوقاف. وتبعا لهذا الحق، فإنه يفضل أن تطرح الهيئة ومجلسها خاصة نظاما للوقف الخاص أو المشترك، بما يدعم ويكمل نظام الهيئة.
لا شك أن نظام الهيئة أوضح نقاطا كثيرة، وهي غالبا مركزة على الوقف العام. وتبقى نقاط كثيرة تخص الوقف الخاص والمشترك بحاجة إلى توضيح في بناء نظامي خارج نطاق نظام الهيئة. وهذا مبدأ عام. فكثير من الأجهزة الحكومية لها أو تتبع أنظمة. لكن هذا لا يغني عن وجود نظام لخدمات أو قطاعات أو نشاطات وأمور تشرف عليها تلك الأجهزة.
وجود نظام مكمل للأوقاف مطلب يساعد الهيئة على تحقيق أهدافها المتعلقة بالوقف الخاص والمشترك. ويسهم في رفع جودة ومساهمة الأوقاف في التنمية والاقتصاد وتقليل الخلافات وسوء الفهم في أمور كثيرة تخص الأوقاف الخاصة الأهلية وأعمال النظار عليها. كما أنه يؤمل أن يحقق محاسن أخرى.
نعرف وجود أنظمة في أمور شتى. وهناك قواعد شرعية عامة تحكم بغض النظر عن الزمان والمكان. وهناك آراء فقهية اجتهادية في أمور فرعية. وفي الوقت نفسه، تمر البشرية بتغيرات حضارية مادية، تغيرات في أثر وعمران الأرض بالتعبير القرآني شتى مع مرور الزمان. وهي تغيرات مؤثرة في معيشة البشر وكيفية تعاملاتهم مع بعضهم، كما لا يخفى. ويتحتم على أصحاب القرار في كل مكان مراعاة هذه التغيرات من خلال ضوابط ونظم بما يرون أنه الأصلح للناس وحاجاتهم. وهذا ما سارت عليه بلادنا منذ توحيدها. وهو مسار مقيد ومحمي بدين البلاد الإسلام. ونصت المادة السابعة من نظام الحكم الأساسي، "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة".
أي: إن وجود نظام للوقف الخاص بالذرية أو المشترك بين الذرية والخيري، لن يتعارض، بل سيكون مبنيا على أحكام الوقف الشرعية الثابتة. أي: إن تلك الأحكام تشكل ضمانات وقواعد للبناء. مثلما أن وجود نظام للعمل، مثلا، لا يتعارض مع أحكام العاملين وأصحاب العمل في الشريعة، بل هو مبني عليها. ولا أنوي التفصيل فهو خارج نطاق المقال.
يتوقع أن يوضح النظام المقترح أمورا كثيرة تخص الوقف الخاص. من هذه الأمور أنواع الوقف الخاص وأحكام إنشائه ومصارفه وقسمته وتطويره واستبداله وتصفيته. ونطاق وحدود تدخل الهيئة أو القضاء للبت في هذه الأمور. كما يتوقع توضيح مدى صلاحية الموقف بوضع شروط. ذلك أن بعض الأوقاف الخاصة قد يشترط في استحقاق المستحقين شروطا قد لا ترى الدولة مناسبتها. كما ينبغي أن يوضح مدى استمرارية الاستحقاق، فمعروف أن بعض الأوقاف تقل أهميتها كثيرا لأفراد الذرية مع مرور الوقت.
تطوير الوقف وتنميته من الأمور التي ينبغي أن يسهم فيها النظام. من المهم أن يتطرق النظام إلى تطوير طرق وآليات في تمويل واستثمار الأوقاف. ما هو قائم حاليا بحاجة إلى مراجعة وتطوير تبعا للتطورات في مجالات التمويل والاستثمار والاستغلال. وطبعا دون إخلال بالقواعد الشرعية والنظامية. وهذا يعني أن تطوير الأوضاع القائمة مطلب، ولعل النظام المقترح يساعد على إحداث هذا التطوير، سواء لتطوير الجديد أو تحسين استغلال القائم أو معالجة مشكلات وعيوب قائمة أو رفع كفاءة إدارة الأوقاف.
ختاما، فإن بناء نظام للوقف الخاص والمشترك يترتب عليه رفض أي وقف خاص ينشأ بعد النظام ويتعارض معه. وأما ما أنشئ قبل النظام فينبغي أن ينظر النظام في تطويره مع مراعاة قواعد شرعية ونظامية كقاعدة: "لا ضرر ولا ضرار".