دروس مستفادة من منازعات الأوراق المالية

دروس مستفادة من منازعات الأوراق المالية
دروس مستفادة من منازعات الأوراق المالية
دروس مستفادة من منازعات الأوراق المالية
دروس مستفادة من منازعات الأوراق المالية

في هذا التقرير نتناول بعض القضايا، التي تم النظر إليها من قبل الأمانة العامة للجان الفصل في منازعات الأوراق المالية، وذلك لإطلاع القارئ على طبيعة القضايا، التي تتم معالجتها من قبل الأمانة، وكذلك لأخذ العبر والدروس منها، إلى جانب إلقاء الضوء على الجهود الكبيرة، التي تقوم بها الأمانة في سبيل تطبيق نظام السوق المالية.
الأمانة العامة للجان الفصل في منازعات الأوراق المالية عبارة عن إطار متكامل لدعم لجان الفصل والاستئناف ومساعدتها في تسريع النظر في القضايا وعمل التحليلات القانونية والمالية والعمل على سرعة إصدار القرارات. كذلك هي تقوم بدور مهم وهو توثيق وتصنيف القضايا التي ينظر فيها من أجل تكوين مبادئ قانونية يمكن الرجوع إليها من قبل الآخرين، سواء لجان الفصل أو غيرهم.
وقد تم تسلم أكثر من 500 قضية في 2020 من قبل لجنة الفصل، التي تقوم بإصدار قراراتها ومن ثم يحق للمدعي والمدعى عليه طلب استئناف القرار من خلال لجنة الاستئناف. وتشترط لجنة الفصل لقبول الدعوى أن يتقدم الشخص بشكواه أولا إلى هيئة السوق المالية، ومن ثم يستطيع الرفع إلى لجنة الفصل. كما أن لجنة الاستئناف لا تقبل دعاوى الاستئناف إلا خلال 30 يوما من صدور قرار لجنة الفصل محل الاعتراض.
في جدول عدد القرارات المرفق نرى أن معظم الدعاوى كانت مدنية، ويقصد بها دعاوى فيما بين المستثمرين أو بين المستثمرين والأشخاص المرخص لهم، حيث بلغ عدد هذا النوع من القضايا 347 من إجمالي 385 دعوى. أما الدعاوى الجزائية فهي تكون ضد المخالفين لأحكام نظام السوق المالية وبلغ عددها 28 قضية في 2020، وأخيرا كان هناك سبع دعاوى إدارية وهي دعاوى ضد هيئة السوق المالية أو شركة السوق المالية "تداول".

دعوى إدارية: مخالفة أعضاء مجلس إدارة لضوابط حوكمة الشركات
قامت هيئة السوق المالية بإصدار قرار يتضمن غرامات مالية على أعضاء مجلس إدارة إحدى الشركات، أحدها بحق رئيس مجلس الإدارة لجمعه بين منصب رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي وغرامتها 100 ألف ريال، والثانية غرامة مالية بمائة ألف ريال لكل عضو في مجلس الإدارة، بمجموع 900 ألف ريال، وذلك بسبب عدم وجود سياسة مكتوبة بخصوص تعارض المصالح. أما الغرامة الثالثة فكانت بمبلغ مائة ألف ريال لكل عضو بسبب عدم التزامهم بتشكيل لجنة المكافآت والترشيحات من أعضاء غير تنفيذيين.
تقدم أعضاء مجلس الإدارة بتظلم إلى لجنة الفصل في منازعات الأوراق المالية، التي بالفعل قامت بإلغاء القرارين الأول والثاني من قرارات هيئة السوق المالية، ولكنها أيدت القرار الثالث بخصوص الخلل في تشكيل أعضاء لجنة المكافآت والترشيحات. إلى هنا يبدو أن قرار لجنة الفصل جاء في مصلحة أعضاء مجلس الإدارة المخالفين، غير أن هؤلاء الأعضاء لم يقبلوا بالقرار وقاموا برفع تظلم إلى لجنة الاستئناف في منازعات الأوراق المالية، اعتراضا على تأييد لجنة الفصل لقرار الغرامات بخصوص لجنة المكافآت.
حجة أعضاء مجلس الإدارة أن شرط تشكيل لجنة المكافآت من أعضاء غير تنفيذيين لم يكن من ضمن لائحة حوكمة الشركات وقت تشكيل اللجنة، حيث إنه تم إضافة هذا الشرط لاحقا، وبذلك فهم لم يقترفوا أي مخالفة نظامية ويطالبون بإلغاء القرار الثالث، وبالتالي تكون قرارات الهيئة الثلاثة لاغية.

من جهتها، لم تكن هيئة السوق المالية راضية بقرار لجنة الفصل، الذي ألغى قرارين من قراراتها، على الرغم من أنه أيد القرار الثالث، وقامت هي بدورها بطلب استئناف لقرار لجنة الفصل، حيث عادت للقرار الأول الملغى، بخصوص قيام رئيس مجلس الإدارة بالجمع بين منصبين، وقدمت دلائل وحججا قوية موثقة، تشمل تقريرا لمجلس الإدارة ومراسلات بين الشركة والهيئة، جميعها تشير بوضوح إلى أن رئيس مجلس الإدارة بالفعل كان يشغل منصبا تنفيذيا بالشركة، الذي يعرف بحسب لائحة حوكمة الشركات أنه عضو مجلس الإدارة المتفرغ لأعمال الشركة اليومية.
ثم انتقلت الهيئة في استئنافها إلى القرار الثاني، الذي ألغته لجنة الفصل بخصوص عدم وجود سياسة مكتوبة لإيضاح تعارض المصالح بين الأعضاء والشركة، حيث كان رأي لجنة الفصل أن الشركة لديها دليل بمسمى الإدارة الرشيدة، وأنه يحتوي على ما يكفي بخصوص موضوع تعارض المصالح، إلا أن الهيئة قامت بإعداد رد تفصيلي يحتوي على جدول من عدة صفحات يبين كيف أن دليل الشركة لا يفي بالغرض ولا يحقق متطلبات الحوكمة كما ينبغي.
بعد دراسة الدعوى من قبل لجنة الاستئناف، أصدرت اللجنة حكمها بإلغاء قرار لجنة الفصل، أي تأييد قرار الهيئة بفرض غرامة بخصوص الجمع بين المنصبين، استنادا إلى الوثائق، التي أوضحت بشكل مكتوب كون رئيس مجلس الإدارة يعمل كشخص تنفيذي في الشركة. الجدير بالذكر أن حجة الشركة كانت أنها تطلق على رئيس مجلس الإدارة صفة عضو تنفيذي لكنها لا تقصد مفهوم العضو التنفيذي، كما ورد في لائحة حوكمة الشركات.
كذلك ألغت لجنة الاستئناف القرار الثاني، الذي برأ أعضاء مجلس الإدارة بخصوص عدم وجود سياسة مكتوبة لتعارض المصالح، وذلك بعد قيام لجنة الاستئناف بمقارنة متطلبات لائحة حوكمة الشركات مع دليل الشركات، وتبين وجود عدة ثغرات ونواقص.
أما المخالفة المتعلقة بخصوص كون أعضاء لجنة الترشيحات من الأعضاء التنفيذيين في مجلس الإدارة، وعلى الرغم من كون المخالفة وقعت فقط خلال فترة الـ26 يوما من تاريخ سريان لائحة الحوكمة، حيث قامت الشركة بعد ذلك بتصحيح وضعها، إلا أن ذلك لم يقنع لجنة الاستئناف كعذر كاف لعدم تصحيح الوضع في وقته.
العبرة من هذه القضية أنه يجب أن يكون لدى كل شركة مدرجة شخص متخصص في حوكمة الشركات، مسؤوليته التأكد من التزام الشركة بلائحة الحوكمة.

دعوى مدنية: لم يستطع الاكتتاب في أسهم حقوق الأولوية
شخص قام بشراء عشرة آلاف سهم من أسهم حقوق الأولوية لإحدى الشركات، وقرر الاكتتاب بها، غير أنه لم يستطع الاكتتاب في آخر يوم لفترة الاكتتاب، بسبب رفض الوسيط تنفيذ طلبه، ما أوقعه في خسائر نتيجة عدم الاكتتاب، إضافة إلى تكاليف سفر تكبدها.
بعد الاطلاع على تفاصيل الحادثة أصدرت لجنة الفصل قرارها بعدم مسؤولية الوسيط، فقام الشخص برفع طلب استئناف طعنا في القرار، حيث أوضح للجنة الاستئناف أن هناك خللا تقنيا لدى الوسيط، وهو الذي تسبب في عدم مقدرته على الاكتتاب. الخلل كما يراه الشخص هو أنه أثناء عملية الاكتتاب الإلكترونية في أسهم حقوق الأولوية لدى الوسيط يظهر للمستخدم رصيد ما يعرف بالقوة الشرائية، التي كان بها مبلغ كاف للاكتتاب، ولكن عندما حاول الاكتتاب ظهرت له رسالة تفيد بأن رصيده غير كاف لإتمام العملية.
كذلك تظلم الشخص من أمر آخر، وهو ضيق فترة الاكتتاب، حيث إنها تمتد فقط لمدة ثلاثة أيام لمن اشترى الحقوق في آخر فترة تداول الحقوق، وإن هذه الثلاثة أيام ينقص منها يومان مباشرة بسبب نظام التسوية الجديد، الذي يشترط مضي يومي تداول ليتمكن الشخص من الاكتتاب. لذا فهو يرى أن الخلل يأتي في مبلغ رصيد القوة الشرائية "المضلل"، وفي قصر فترة الاكتتاب.
جاء رد لجنة الاستئناف بأن رصيد القوة الشرائية يختلف عن الرصيد النقدي، وبالنسبة لهذا الشخص لم يكن رصيده النقدي كافيا للاكتتاب، حيث إنه قام ببيع أسهم أخرى قبل نهاية فترة الاكتتاب بيومين، ولكن محصلات البيع النقدية لا تستقر في الحساب إلا بعد نهاية اليوم الثاني، الذي كان بعد نهاية فترة الاكتتاب في هذه الحالة، لذا قررت لجنة الاستئناف تأييد قرار لجنة الفصل.
العبرة من هذه القضية أن القوة الشرائية في الحساب تعني مقدرة الشخص على شراء الأسهم ولا تعني القدرة على الاكتتاب، لأن الاكتتاب يشترط توفر رصيد نقدي في الحساب، مع العلم أن المبلغ النقدي يستقر في الحساب بعد مضي يومي تداول عقب عملية البيع. كذلك، يجب الانتباه إلى أن شراء أسهم حقوق الأولوية يتطلب كذلك مضي يومين لكي تنزل الأسهم في محفظة الشخص ومن ثم يستطيع الاكتتاب بها.

دعوى جزائية: تلاعب أربعة أشخاص بأوامر البيع والشراء
تقدمت النيابة العامة بلائحة ادعاء ضد أربعة أشخاص لمخالفتهم نظام السوق المالية ولائحة سلوكيات السوق، تنوعت في مبالغها والمكاسب المتحققة منها، حيث وصلت غرامة الشخص الأول إلى مبلغ 3.2 مليون ريال نتيجة ارتكابه لـ 32 مخالفة، وبحكم أن الشخص الرابع توفي بعد رفع القضية فتم تعديل المطالبة لتكون ضد ورثة المتوفى بمبلغ 300 ألف ريال. ما طبيعة تلك المخالفات، وكيف كان قرار لجنة الفصل ولاحقا لجنة الاستئناف في ذلك؟
في 2019 صدر قرار لجنة الفصل بإدانة الأشخاص الأربعة وإيقاع غرامات بحقهم ومنعهم من التداول لمدة ثلاثة أشهر وإعادة الأرباح، التي حصلوا عليها، وكان القرار غير مطابق لطلب النيابة العامة، حيث تم تخفيف مبالغ الغرامات وبعض العقوبات.
لذا لم يكن ذلك مقبولا للنيابة العامة، التي تقدمت بطلب استئناف للقرار نتيجة ما تراه من جسامة ما تم ارتكابه من مخالفات وما له من آثار خطيرة على السوق والمستثمرين، وبالتالي فهي تطالب بالحكم بكامل الطلبات الواردة في لائحة الادعاء، وفي الوقت نفسه تقدم الأشخاص الأربعة، كل على حدة، بطلب الاستئناف ضد قرار الإدانة الخاص به.
تتلخص طبيعة المخالفات كما رأتها النيابة العامة بأنها إدخال أوامر بيع دون وجود نية لتنفيذها، وإدخال أوامر شراء بهدف التأثير في سعر السهم، وإدخال أوامر شراء بهدف تحقيق سعر إغلاق مرتفع، وإدخال أوامر شراء بأسعار تتزايد بشكل متتابع. هنا من الضروري إحالة القارئ لمقالات كتبتها في صحيفة "الاقتصادية" عن ضرورة إعادة النظر في لائحة سلوكيات السوق، حيث أوردت فيها عدة نقاط مخلة من وجهة نظري، مثل مقولة عدم وجود نية للبيع أو الشراء، ومدى صحة التأثير في سعر السهم.
المتهمون الأربعة تلخصت حججهم بأن جميع الادعاءات غير صحيحة، وأنها لا تشكل تلاعبا بالسوق، بدليل أن كثيرا من الادعاءات تم استبعادها من هيئة السوق المالية كتداولات مشبوهة: منها على سبيل المثال عدم صحة الادعاء بأن أوامر البيع تم إدخالها لدعم أوامر شراء للشخص نفسه، لأن الشخص قام بالفعل بالشراء، وفي إحدى الحالات كانت كمية الشراء المشتبه في أنها لدعم أوامر بيع لا تشكل نسبة تذكر، مقارنة بكمية البيع، وبالتالي لا يمكن أن تكون داعمة للبيع. كذلك استشهد المتهمون برأي هيئة السوق المالية بأن إدخال أوامر التداول قبل افتتاح السوق لا يمكن للشخص من خلاله ضمان عدم تنفيذ الأوامر، لأن سعر الافتتاح غير معروف، ويمكن أن يتنفذ أي أمر مطابق بعد أن يتحدد سعر الافتتاح.
كذلك دافع المتهمون بخصوص تهمة التأثير على سعر الإغلاق، الذي كان في وقتها يتحدد حسب تداولات آخر 15 دقيقة، وليس مثل الآن يتحدد من خلال مزاد الإغلاق، بأن الاتهام باطل كون كمية الأوامر، التي نفذها الشخص تشكل أقل من 4 في المائة من كمية التداولات لآخر 15 دقيقة، وبالتالي لا يمكن لها أن تؤثر في سعر الإغلاق.
من ضمن التهم كذلك التهمة، التي تقول إن الشراء كان بهدف التأثير في سعر السهم ورفعه من 20.50 ريال إلى 20.70 ريال، حيث كان رد المتهم أن هذا الارتفاع (20 هللة) يسير ومعتاد وإن السهم أغلق تقريبا بلا تغير لذلك اليوم (فقط 0.08 في المائة).
جاء قرار لجنة الاستئناف بإدانة المتهم الأول نتيجة ثبوت مخالفات نتيجة قيامه بإدارة محفظة الشخص الرابع واستخدامه عمليات غير نظامية- برأي لجنة الاستئناف- وتغريمه عشرة آلاف ريال عن كل مخالفة، بدلا من 100 ألف ريال، كما في لائحة الادعاء، ومطالبة ورثة المتهم الرابع بإعادة المبالغ المكتسبة، أما المتهمان الثاني والثالث فتمت تبرأتهما بشكل كامل.

الأكثر قراءة