البعد الاستراتيجي لرؤية السعودية 2030

تعد رؤية السعودية 2030 من أهم وسائل تطوير ودعم الاقتصاد الوطني، لأنها تضطلع بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على البترول كمورد وحيد، كذلك تضع "الرؤية" أسسا هيكلية جديدة لبناء اقتصاد الوفرة الذي يقوم على موارد نظيفة للطاقة تحقق الاستقرار والاستدامة. ونلاحظ أن التقلبات التي يشهدها الاقتصاد الدولي وتتأثر بها الاقتصادات الوطنية في العقد الأخير، وبالذات منذ جائحة كورونا تستوجب على الدول إيجاد الآليات الضرورية لحماية الاقتصادات الوطنية من الأزمات والهزات المفاجئة التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي.
ويجب أن نسلم بأن الظروف الاقتصادية لا تستقر على حال، وإنما تتطور وتتغير بشكل مستمر وفقا للأحداث المتواكبة، ويمكننا أن نلحظ بكل وضوح حدوث الصدمات الاقتصادية المفاجئة على الاقتصاد العالمي مثل الأزمة المالية، التي تعرض لها الاقتصاد العالمي في 2008، أو الانكماش الاقتصادي الذي أحدثته جائحة كورونا، كذلك يمكن ملاحظة عديد من التغيرات على مدى عقود من الزمن لأسباب إما تكنولوجية أو هيكلية أو اجتماعية واسعة النطاق.
لذلك وضعت حكومتنا رؤية السعودية 2030 بهدف بناء اقتصاد قوي ومتنوع ومستدام، وقادر على امتصاص واستيعاب الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بكل أنواعها، مع توفير الإمكانات لتعزيز فرص ريادة الأعمال، وتطوير قاعدة المهارات، كذلك تحديد مجموعة من الأنشطة المترابطة موضوعيا التي ستسهم بقدر أكبر في عملية التنويع. أيضا ستبني هذه البرامج مسارات التنويع وتشجيع القطاع الخاص مع تطوير وتدعيم المحتوى المحلي، وإنتاج صادرات ذات قيمة مضافة أعلى ما يجعل الاقتصاد أكثر اعتمادا على الذات، وأقل اعتمادا على الإيرادات المرتبطة بقطاع النفط والغاز، وهو القطاع التقليدي الذي يجب عدم الاعتماد عليه كمورد وحيد، وإنما يجب أن يعتمد الاقتصاد على الطاقة المتجددة المتميزة بفرص كبيرة للتنويع والنمو، وكذلك يعتمد الاقتصاد على الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات المتقدمة، بحيث تتوزع هذه الأنشطة ما بين قطاع البتروكيماويات، وقطاعات محورية جديدة، ومن ثم نقيس التأثير في الهيكل الاقتصادي بعامة للمضي قدما في مسارات التنويع السابق ذكرها والمنصوص عنها بوضوح في رؤية السعودية 2030. وعندئذ يكون الاقتصاد السعودي قد دخل في دوائر النمو المستدام بصفة رئيسة من خلال التنويع الاقتصادي القابل للتطبيق والتطوير والتنوع.
وعندئذ المأمول أن يوفر الاقتصاد المطور والمتنوع والمستدام مزيدا من الفرص للقوى العاملة الماهرة، ويوفر الحوافز المناسبة لاجتذاب الموهوبين والمبدعين القادرين على دفع الاقتصاد في المسارات الجديدة والمتجددة عالية النجاح وعالية الربحية. وتعد هذه العوامل بمنزلة الأساس لريادة وتطوير الأعمال، كما يعد الاقتصاد في الواقع نظاما كثيف الترابط يتضمن عديدا من العمليات والاستجابات، وبمجرد أن تصبح البيئة الاقتصادية ملائمة، فإن الفرص الناشئة توفر مزيدا من الفرص وتؤسس لحلقة إيجابية واقتصادية واعدة ومبشرة. أما الخيار أمام رؤية السعودية 2030 هو تحقيق الاستقرار لأسعار الطاقة بعد أن كانت أسعار الطاقة ــ طوال العقود الماضية ــ عرضة للتقلبات والتغيرات حسب الظروف الاقتصادية والسياسية المتقلبة.
وقد بدأت المملكة منذ 2016 أولى عمليات إصلاح أسعار الطاقة، ولتحقيق ذلك أعادت هيكلة أسعار الطاقة من أجل تحسين كفاءة استخدامها والحد من الهدر، وهذه الطريقة حققت نتائج إيجابية للاقتصاد الوطني، وسيؤدي تطوير قطاع الطاقة وبناء القدرات إلى تحقيق فوائد مستدامة دون التسبب في توسيخ وتلويث البيئة وحمل بعض الدول على الاحتجاج والاعتراض، فضلا عن ذلك فإن من شأن إصلاح قطاع الطاقة أن يكون عونا على توفير وظائف جديدة مؤقتة ودائمة ستؤدي إلى تعزيز وتنشيط طاقات عديد من شباب المملكة، كما أن من شأن ذلك أيضا الإسهام في تحقيق هدف رئيس في رؤية السعودية 2030 المتمثل في خفض معدلات البطالة والوصول بها إلى 7 في المائة بحلول 2030.
وسيكون التنويع الاقتصادي ناجحا إذا توازى مع إنتاج سلع تنافسية، وهنا يجب أن تستفيد المملكة من كونها المحرك الأول في قطاع الطاقة في العالم، كما تمتلك مساحات كافية للتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شركة أرامكو السعودية قامت في 2020 بتجربة تصدير أول شحنة من الهيدروجين إلى اليابان واستخدمت 40 طنا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لتوليد الطاقة الخالية من الكربون، وهذه التجربة النظيفة التي قامت بها أرامكو السعودية تعد تجربة مشجعة للمضي قدما في هذا الاتجاه.
إن من أهم المكتسبات التي تحققها استراتيجية رؤية السعودية 2030 تحقيق الاستقرار للاقتصاد الوطني الذي بدأ يدخل في أجواء "الرؤية"، وتنويع الموارد التي نوه عنها ولي العهد في لقائه الإعلامي الذي أجراه أخيرا، ونوهت عنه كثير من المراكز البحثية التي أشادت بالإنجازات التي حققتها "الرؤية" قبل مواعيدها المقررة في "الرؤية".

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي