السوق السعودية ومؤشرات عيد الفطر
يتوقع كثير من الاقتصاديين أن السوق السعودية ستشهد عقب عيد الفطر انفراجا وتحركا باتجاه الخروج من حالة الركود التي تعرضت لها بسبب تداعيات جائحة كورونا، وسينفذ بعض رجال الأعمال مجموعة من الصفقات، وستشهد سوق العقار بالذات نشاطا ملحوظا، حيث يبادر عدد من العقاريين إلى إبرام صفقات عقارية كانت معلقة طوال شهر رمضان المبارك.
وكان ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أجرى حوارا رائعا مع الزميل عبدالله المديفر، الحوار نقلته كثير من القنوات الفضائية المحلية والخليجية والعربية خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك، وأكد ولي العهد أن رؤية السعودية 2030 من أهم وسائل تطوير ودعم الاقتصاد الوطني، لأنها تضطلع بتنويع مصادر الدخل، وعدم الاعتماد على البترول كمورد وحيد، كذلك وضعت "الرؤية" أسسا هيكلية جديدة لبناء اقتصاد الوفرة الذي يقوم على موارد نظيفة للطاقة تحقق الاستقرار والاستدامة، مبينا أن ما يدعو للتفاؤل أن "الرؤية" حققت كثيرا من الأهداف قبل مواعيدها.
ويجب أن نسلم بأن الظروف الاقتصادية لا تستقر على حال، وإنما تتطور وتتغير بشكل مستمر وفقا للأحداث المتواكبة، ويمكننا أن نلحظ بكل وضوح حدوث الصدمات الاقتصادية المفاجئة على الاقتصاد العالمي مثل الأزمة المالية التي تعرض لها الاقتصاد العالمي في 2008، أو الانكماش الاقتصادي الذي أحدثته جائحة كورونا، كذلك يمكن ملاحظة عديد من التغيرات على مدى عقود من الزمن لأسباب إما تكنولوجية أو هيكلية، بمعنى أن التقلبات التي يشهدها الاقتصاد الدولي وتتأثر بها الاقتصادات الوطنية في العقد الأخير، وبالذات منذ جائحة كورونا تستوجب على الدول إيجاد الآليات الضرورية لحماية الاقتصادات الوطنية من الأزمات والهزات المفاجئة.
ومن باب الحيطة والحذر وضعت حكومتنا رؤية السعودية 2030 بهدف بناء اقتصاد قوي، ومتنوع، ومستدام، وقادر على امتصاص واستيعاب الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بكل أنواعها، مع توفير الإمكانات لتعزيز فرص ريادة الأعمال، وتطوير قاعدة المهارات، كذلك تحديد مجموعة من الأنشطة المترابطة التي ستسهم بقدر أكبر في عملية التنويع، أيضا ستبني هذه البرامج مسارات التنويع وتشجيع القطاع الخاص مع تطوير وتدعيم المحتوى المحلي، وإنتاج صادرات ذات قيمة مضافة أعلى، ما يجعل الاقتصاد أكثر اعتمادا على الذات، وأقل اعتمادا على الإيرادات المرتبطة بقطاع النفط والغاز، وهو القطاع التقليدي الذي يجب عدم الاعتماد عليه كمورد وحيد، وإنما يجب أن يعتمد الاقتصاد على الطاقة المتجددة المتميزة بفرص كبيرة للتنويع والنمو، وكذلك يعتمد الاقتصاد على الزراعة، والصناعات التحويلية، والخدمات المتقدمة، بحيث تتوزع هذه الأنشطة ما بين قطاع البتروكيماويات، وقطاعات محورية جديدة، ومن ثم نقيس التأثير في الهيكل الاقتصادي للمضي قدما في المسارات المنصوص عنها بوضوح في رؤية السعودية 2030.
وعندئذ يكون الاقتصاد السعودي قد دخل في دوائر النمو المستدام بصفة رئيسة من خلال التنويع الاقتصادي القابل للتطبيق والتطوير والتنوع. وسيكون التنويع الاقتصادي ناجحا إذا توازى مع إنتاج سلع تنافسية، وهنا يجب أن تستفيد المملكة من كونها المحرك الأول في قطاع الطاقة في العالم، كما تمتلك المملكة مساحات كافية للتوسع في إنتاج الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، وهنا تجدر الإشارة إلى أن شركة أرامكو السعودية قامت في 2020 بتجربة تصدير أول شحنة من الهيدروجين إلى اليابان واستخدمت 40 طنا من الأمونيا الزرقاء عالية الجودة لتوليد الطاقة الخالية من الكربون، وهذه التجربة النظيفة التي قامت بها أرامكو السعودية تعد تجربة مشجعة للمضي قدما في هذا الاتجاه.
وهنا فإن المأمول أن يوفر الاقتصاد المطور، والمتنوع، والمستدام مزيدا من الفرص للقوى العاملة الماهرة، ويصنع الحوافز المناسبة لاجتذاب الموهوبين والمبدعين القادرين على دفع الاقتصاد في المسارات الجديدة والمتجددة عالية النجاح وعالية الربحية. وتعد هذه العوامل بمنزلة الأساس لريادة وتطوير الأعمال، كما يعد الاقتصاد في الواقع نظاما كثيف الترابط يتضمن عديدا من العمليات والاستجابات، وبمجرد أن تصبح البيئة الاقتصادية ملائمة، فإن الفرص الناشئة توجد مزيد من الفرص وتؤسس لحلقة إيجابية واقتصادية واعدة ومبشرة.
أما الخيار الواضح أمام رؤية السعودية 2030 فهو تحقيق الاستقرار لأسعار الطاقة بعد أن كانت ـ طوال العقود الماضية ـ عرضة للتقلبات والتغيرات حسب الظروف السياسية المتقلبة. وقد بدأت المملكة منذ 2016 أولى عمليات إصلاح أسعار الطاقة، ولتحقيق ذلك أعادت هيكلة أسعار الطاقة من أجل تحسين كفاءة استخدامها والحد من الهدر، وهذه الطريقة حققت نتائج إيجابية للاقتصاد الوطني، وسيؤدي تطوير قطاع الطاقة وبناء القدرات إلى تحقيق فوائد مستدامة دون التسبب في توسيخ وتلويث البيئة وحمل بعض الدول على الاحتجاج والاعتراض، فضلا عن ذلك فإن من شأن إصلاح قطاع الطاقة أن يكون عونا على توفير وظائف جديدة مؤقتة ودائمة ستؤدي إلى تعزيز وتنشيط طاقات عديد من شباب المملكة، كما أن من شأن ذلك أيضا الإسهام في تحقيق هدف رئيس في رؤية السعودية 2030 المتمثل في خفض معدلات البطالة والوصول بها إلى 7 في المائة بحلول 2030.
وفي ضوء ذلك كان الأمير محمد بن سلمان متفائلا جدا وهو يتحدث عن الاستحقاقات التي حققتها رؤية السعودية 2030 قبل مواعيدها المنوه عنها في "الرؤية"، وأكد أن الاقتصاد الوطني يتجه إلى مزيد من الرخاء والازدهار في المستقبل القريب وبالفعل حقق كثيرا من الإنجازات خلال فترة وجيزة وقصيرة، وهذا ما أكدته تقارير منظمات دولية مثل صندوق النقد الدولي.