البَسِّيُّون
تعرفت قبل عدة أعوام على شخص لا يمكنه أن يشيد بمرء أو عمل أو خدمة بالمطلق.
يرفض أن يختتم جملته أو عبارته حول أي شيء دون أن يطعنها بكلمة "بس"، ثم يردفها بقدح أطول من المدح.
لا أتذكر أنه أشاد بشيء قبل أن يفسده بانتقاده العريض.
كان لدينا زميل اسمه محمد، درس معنا في الخارج إحدى المواد الدراسية في الجامعة، وبقي على تواصل مستمر، لم ينته مع انتهاء المادة.
أهدانا محمد هدية لطيفة أثناء أحد الأعياد، اشتملت على علبة من التمر وقطع شوكولاتة.
لم يرسل محمد الهدية عبر البريد أو من خلال وسيط، بل حرص على أن يوصلها بنفسه، مع عبارة جميلة شخصية كتبها بخط يده تحمل اسمينا، وألصقها على العلبة.
وتكبد لأجل ذلك وعثاء سفر لمدة تزيد على خمس ساعات، حتى يمنحنا الهدية بنفسه.
فور أن انصرف محمد، امتدحه قليلا، صاحبنا الذي لا تفارقه مفردة "بس"، ثم أطلق عبارة لا تفارقني:
"صراحة لا يعرف محمد أن يهدي. تمره غير لذيذ. أهدر وقته وماله. ليته لم يأت".
كنت دائما أجامل صاحبنا، ولا أرد على هجائه الدائم للأشخاص وسلوكياتهم، لكن هذه المرة انفجرت غضبا.
فقد تعاطفت مع محمد، لأنه أراد من خلال الهدية أن يؤكد مدى محبته وتقديره لنا.
وسفره وإهداؤه يعكس ما يتمتع به من كريم الخصال وطيب السجايا.
وفي المقابل، واجه ذما لا يستحقه.
فهل هذا جزاء الإحسان؟!
إننا جميعا، وليس صاحبنا وحده، كثيرا ما نقع في فخ الـ"بس".
نتقشف في المديح ونبذر في الهجاء.
التفت حولك وستجد "البَسِّيُّون" الذين يملؤون الأمكنة.
لا يستطيعون أن يمدحوا من دون "بس!".
إذا كنا نحتاج إلى حملات ترشيد، فإنه من الأولى أن نبدأ حملاتنا الترشيدية في استخدام "بس!" في كل المواسم.
فقد أصابتنا تخمة من استعمالها.
لقد أمسى قدح الآخرين يطربنا، ومديحهم يزعجنا.
ثمة سلوك يجب أن نحاربه ونقمعه هو ترديد كلمة "بس!".