لعنة أسوأ من النقد «2 من 2»

يزعم المستثمرون في العملات المشفرة أحيانا أن القطاع أصبح كبيرا للغاية، واجتذب عددا كبيرا من المستثمرين المؤسسيين، إلى الحد الذي لا يتجرأ معه الساسة أبدا على تنظيمه. لعلهم على حق في هذا. فكلما استغرق القائمون على التنظيم فترة أطول قبل أن يتحركوا بات من الصعب وضع العملات الرقمية الخاصة تحت السيطرة. بدأت الحكومة في كل من الصين وكوريا الجنوبية أخيرا اتخاذ تدابير صارمة عنيفة ضد العملات المشفرة، وإن لم يكن من الواضح بعد مدى تصميمها على مواصلة هذه التدابير. في الولايات المتحدة، كانت جماعات الضغط في الصناعة المالية ناجحة نسبيا في عرقلة أي تنظيم حقيقي للأصول الرقمية، لنتأمل هنا انسحاب مشروع العملة الرقمية الذي اقترحته شركة فيسبوك أخيرا إلى الولايات المتحدة في مواجهة مقاومة تنظيمية عالمية نظمتها السلطات السويسرية.
صحيح أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بدأت تتحرك الآن، على الأقل، لفرض الإبلاغ عن عمليات تحويل العملات المشفرة التي تتجاوز عشرة آلاف دولار كجزء من جهودها الرامية إلى تحصيل حصة أكبر من الضرائب المستحقة. لكن في نهاية المطاف، سيتطلب تقليل السيولة المحتملة لعملات مشفرة يصعب تتبعها مستوى عاليا من التنسيق الدولي، على الأقل في الاقتصادات المتقدمة.
في الواقع، هذه إحدى الحجج التي تفسر لماذا قد تبرر عملة مشفرة مثل بيتكوين قيمتها العالية التي بلغت نحو 37 ألف دولار في نهاية أيار (مايو) "وإن كان سعرها يتغير على نحو أشبه بتغير الطقس". إذا كانت عملة بيتكوين استثمارا في تكنولوجيا المعاملات التي يقوم عليها الاقتصاد السري العالمي، وإذا استغرق الأمر عقودا عديدة من الزمن لتتمكن حتى الاقتصادات المتقدمة من كبح جماح العملة، فإنها من الممكن أن تكسب قدرا كبيرا من الريع من المعاملات في الوقت ذاته. في نهاية المطاف، ليس من المحتم أن تستمر أي شركة في العمل إلى الأبد - شركات الوقود الأحفوري على سبيل المثال - حتى تصبح ذات قيمة كبيرة اليوم.
بطبيعة الحال، ستظل سوق العملات المشفرة مزدهرة دوما في الدول التي مزقتها الحروب أو الدول المنبوذة، وإن كان تقييمها سيظل أقل كثيرا إذا تعذر غسل العملات في الدول الغنية. وربما توجد تكنولوجيات للتخلص من إخفاء الهوية وبالتالي إزالة الاعتراض الرئيس على العملات المشفرة، وإن كنت أظن أن هذا من شأنه أن يعمل أيضا على تقويض نقطة بيعها الرئيسة.
لا أحد يستطيع أن يسوق الحجج ضد تكنولوجيا سلسلة الكتل التي يقوم عليها إنتاج العملات الرقمية المشفرة التي تنطوي على إمكانات هائلة لتحسين حياتنا، على سبيل المثال، من خلال توفير شبكة جديرة بالثقة مضادة للتلاعب لرصد ومراقبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. ورغم أن تشغيل نظام بيتكوين ذاته يتطلب استهلاك قدر هائل من الطاقة، فالآن تتوافر تكنولوجيات أكثر رأفة بالبيئة، بما في ذلك تلك التي تعتمد على إثبات الحصة.
من سوء حظ أولئك الذين استثمروا المدخرات التي جمعوها طوال حياتهم في العملات المشفرة أن هجمات فيروسات الفدية التي تستهدف أعدادا متزايدة من الشركات والأفراد ربما تكون نقطة التحول التي يستجمع عندها القائمون على التنظيم شجاعتهم أخيرا ويتدخلون. كثيرون منا يعرفون أشخاصا يملكون شركات صغيرة مناضلة قضي عليها بفعل هذا الابتزاز. ورغم أن الحكومات ربما تكون لديها أدوات أفضل لتتبع العملات المشفرة مما تسمح به، فإنها تخوض سباق تسلح ضد أولئك الذين وجدوا وسيلة مثالية لجعل الجريمة تفيد. الآن يجب أن يفيق القائمون على التنظيم قبل أن يفوت الأوان.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي