دمج «التقاعد» في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وفوائده
أصدر مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الثلاثاء الماضي قرارا بدمج المؤسسة العامة للتقاعد في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، وقد عقب وزير المالية على أهمية هذا القرار وماهيته وفوائده، حيث أوضح أن الهدف الأساسي من الدمج هو تحقيق الاستفادة المثلى من الموارد وزيادة الكفاءة التشغيلية والمالية لموارد الدولة، وأن الدمج يعد عملية إدارية تنظيمية هدفها توحيد مظلة الحماية التأمينية للقطاعين العام والخاص، وهو امتداد لعملية الإصلاح والهيكلة الإدارية المستمرة وفق مستهدفات رؤية السعودية 2030، ولقد اكتسبت المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مع الأيام أهمية أكبر، وبدأت تدرك أن الملقى على عاتقها من وظائف ومهام تجاه المجتمع أكبر من الإمكانات المتاحة.
إن عملية الدمج ستؤدي إلى تعزيز المركز المالي للصندوق التقاعدي من خلال تعظيم العوائد الاستثمارية، وصنع جهود تكاملية لتعزيز القدرة على الأداء الاستثماري والتوزيع الاستراتيجي.
وإذا أمعنا النظر في رؤية السعودية 2030 - وهي كتالوج التنمية الشاملة -، فإننا نلاحظ أن من أهم أهدافها تعزيز مبدأ قيام القطاع الخاص بمهامه الطبيعية تجاه المجتمع، ولهذا اتخذت الدولة كثيرا من التدابير الرامية إلى دعم القطاع الخاص وتأهيله ليكون قادرا على الاضطلاع بوظائف المجتمع الاقتصادية والمالية والثقافية والرياضية والسياسية، وإقصار دور الحكومة على تصميم السياسة الخارجية للدولة، وتوفير الأمن والأمان للمجتمع، والقيام بمهمة الدفاع عن حدود الدولة من أي عدوان خارجي، كذلك نلاحظ في رؤية السعودية 2030 أن مشاريع نقل الوظائف الحكومية من القطاع العام إلى القطاع الخاص قد بدأت بالفعل منذ عام 2016 من خلال وضع أسس بناء قطاع خاص قوي قادر على تحمل تبعات ومسؤوليات ما بعد 2030، ومؤهل لبناء مجتمع قادر على إدارة مؤسساته، وهي مرحلة تنهي الاعتماد على المورد الواحد وتبني موارد عديدة للدولة.
ويخضع علماء الإدارة على هذه المرحلة اسم إعادة اختراع الحكومة، أي إعادة هيكلة الحكومة باتجاه بناء قطاع حكومي ذكي، وأيضا بناء قطاع خاص بالذكاء نفسه، ووضع سياسة خارجية رشيدة، وتوفير الأمن وبناء القدرات الذاتية والوطنية للدفاع عن كيان الوطن من المخاطر التي بدأت تتزايد هذه الأيام، ثم تكليف المجتمع من خلال مؤسسات القطاع الخاص بالمساهمة في بناء الاقتصاد الوطني متعدد الموارد، والإمكانات، مجتمع يقوم على استخدام واسع للنظام الرقمي المفعم بتكنولوجيا المعلومات.
وطالما أن هذه الأهداف بدأت تتحقق في الواقع، فإن بقاء مؤسستين لصرف العوائد التقاعدية لم يعد ضروريا، بل من الضروري تقوية المؤسستين بدمجهما في كيان واحد يتولى مسؤولية صرف رواتب وعوائد المتقاعدين.
ونذكر جميعا أن المؤسستين الماليتين الكبيرتين - المؤسسة العامة للتقاعد ومؤسسة التأمينات الاجتماعية - تعرضتا لمشكلات مالية كبيرة في الأعوام القليلة الماضية، وأن قضية الدمج لم تأت من فراغ، بل جاءت بعد دراسة عميقة لتجارب شارفت على الـ 50 عاما، ونذكر أيضا أن مؤسسة التقاعد قبل أعوام قلائل كانت تحذر من عجز متوقع لا يمكنها من صرف رواتب المتقاعدين، وشكت المؤسسة من تضخم المتقاعدين، وسربت أخبارا مفادها أنها ربما لا تستطيع توفير كل رواتب المتقاعدين في المستقبل القريب إذا استمرت معدلات الزيادة في عدد المتقاعدين بهذه المعدلات المتصاعدة بشكل فاق كل التوقعات.
إضافة إلى ذلك، فإن الدمج سيوفر للموظفين مزايا الانتقال والاندماج في القطاع المقرر تأسيسه بسهولة دون عناء، وهذا من شأنه أن يدعم الهيئة الجديدة بالكفاءات البشرية التي تحتاج إليه الهيئة في عهدها الجديد وفي مرحلة من أهم مراحل قيامها بمهامها الجديدة، فضلا عن ذلك فإن مقترح دمج مؤسستي التقاعد والتأمينات الاجتماعية يتوقع أن يؤدي إلى زيادة أصول الهيئة الجديدة، ما يتيح لها فرصا إضافية لتنويع استثماراتها وزيادة عوائدها، كما سيعزز قدراتها التشغيلية والإدارية ويزيد من تنافسيتها.
والواقع أننا إذا أردنا أن نستفيد من تجارب الآخرين ونظرنا إلى واقع الحال في الدول العربية المجاورة نلاحظ أن معظم الدول العربية تأخذ بنظام قيام هيئة واحدة لصرف عوائد التقاعد، بمعنى أن واقع الحال في هذه الدول الشقيقة يؤكد وجاهة فكرة دمج المؤسستين في هيئة واحدة، ولم يأت تطبيق هذا القرار من فراغ بل نتيجة تجارب عديدة ودراسات رجحت بأن تقوم المؤسسة الواحدة بمسؤولية صرف عوائد المتقاعدين في الدولة.
لقد أكدت التجارب المحلية أو تجارب الأشقاء على مستوى دول الخليج أن قيام مؤسسة واحدة بصرف العوائد التقاعدية هو توفير لأموال طائلة كانت تنفق على قيام مؤسستين دون مبرر موضوعي.