سوق العمل وتخريج الكفاءات
يعد التعليم هو حجر الزاوية الذي سيأخذنا إلى مجتمع المعرفة وثقافة العمل الذي نتطلع إليه بأمل كبير لبناء اقتصاد معرفي يقوم على الإبداع والابتكار، من أجل بناء مختلف موارد الاقتصاد الوطني الجديد، وتهتم رؤية السعودية 2030 بضرورة تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على المورد الأوحد.
لقد كان التعليم في شباط (فبراير) 2014 على موعد مع ولادة جامعة جدة التي تقرر إنشاؤها لتنضم إلى منظومة المؤسسات الجامعية التي ستضطلع بمسؤولية بناء مجتمع معرفي يقوم بمهام التحول الرقمي جنبا إلى جنب مع مجموعة الجامعات العصرية التي أنشأتها المملكة لبناء صرح علمي يقضي على الجهل، والفقر، والمرض، ويبني عروشا من الكفايات والكفاءات.
وتعد مدينة جدة مركزا تعليميا رفيع المستوى، حيث تقع فيها مجموعة من أقوى وأحدث الجامعات العصرية في عالمنا العربي أولها جامعة المؤسس جامعة الملك عبدالعزيز، وجامعة جدة، وجامعة عفت الأهلية، وجامعة دار الحكمة، والجامعة العربية المفتوحة، وجامعة الأعمال والتكنولوجيا، إضافة إلى هذه الجامعات، ففي جدة تقع أعداد كبيرة من الكليات في شتى فروع المعرفة والعلوم، حيث نستطيع القول: إن جدة مشبعة بالتعليم الأساسي والفني وإنها لم تعد تشكو من فقر في الكفاءات.
وتحتوي جامعة جدة على عدد من الكليات العلمية ذات الأبعاد الاستراتيجية لرؤية السعودية 2030، ومن أهم الكليات: الطب، والاتصال والإعلام، والهندسة، والتربية، والعلوم، والأعمال، والقانون والدراسات القضائية، والآداب والعلوم الإنسانية، والمجتمع، وهناك مجموعة كبيرة من العمادات والمعاهد في شتى حقول المعرفة والعلوم. وكل هذه الكليات تهتم في مقرراتها بتخريج شباب أكفاء يحتاجون سوق العمل السعودية في ظل متطلبات خطة التوطين التي تعتمدها الحكومة السعودية.
والحقيقة أن جامعة جدة تعد الجامعة الثانية في المدينة الفسفورية اللامعة بالطموح والابتكار والإبداع، وفي ظل الطموحات المتواكبة، فإن مشاريع المستقبل لن تتوقف، بل تستمر حتى تحقيق الأهداف الكبرى التي وضعتها رؤية السعودية 2030. وما يبعث على الارتياح أنها انتهت من مراحل التأسيس ودخلت في طور الأداء والتطوير، والمساهمة في بناء الإنسان كي يكون مؤهلا للمشاركة في البناء والتنمية.
وإذا بحثنا عن الأهداف المعلنة للجامعة فإننا نجدها تتمثل في تحقيق التكامل مع الرؤية التعليمية للمملكة بما يشمل أهدافها المستقبلية والارتقاء بها على الصعيد العلمي، وأيضا من أهداف الجامعة توفيق أهدافها مع الأهداف والرؤى الاستراتيجية العامة للدولة، وكذلك تنظيم الدورات التدريبية التي يحتاج إليها الخريجون للتعامل مع سوق العمل والتدرب بشكل جيد على إنجاز المهام المختلفة المطلوبة منهم، علما بأن الجامعة تؤهل الطلاب كي يصبحوا قادة فاعلين ومؤهلين للتوفيق بين المقررات والمناهج الدراسية وبين المعايير والمقاييس الدولية، مع ضرورة ربط الطلاب بالهوية الوطنية من خلال تخصيص مناهج ومقررات تتضمن بعض الرؤى الوطنية والعالمية.
إننا لا نذيع سرا إذا قلنا: إن اقتصاد مدينة جدة كان يشكو من مخرجات التعليم في ظل التوسع العمراني والجغرافي الذي تشهده المدينة في ظل التوجه الدولي الاقتصادي للاهتمام باقتصاد المدن وتطويره، حيث كانت تتسابق الكليات إلى تخريج الكوادر ذات التخصصات التي لا تطلبها ولا تقبلها سوق العمل، ولذلك فإن جدة كانت تتوجع من أمراض البطالة وتكدس العمالة الأجنبية. وإذا كانت جدة تشكو عدم تناغم مخرجات التعليم مع احتياجاتها، فإن جامعة جدة أجرت كثيرا من الإصلاحات وفتحت كليات ذات تخصصات مطلوبة في سوق العمل الجداوية خاصة، وسوق العمل السعودية عامة.
ومسألة كليات لا تطلبها سوق العمل مسألة مرفوضة وغير مقبولة الآن، والصحيح أن الجامعات تؤسس لتخريج المواهب ذوي المهارات، وإذا سلمنا بأهم المسؤوليات التي تضطلع بها الجامعات، فإن افتتاح كليات تتناغم مع ما تطلبه سوق العمل هو الهدف الرئيس من التعليم الجامعي، لأن التعليم الجامعي لم يعد مجرد صيت وسمعة، بل الجامعات هي الجهة المسؤولة عن توفير الكوادر الوطنية المختصة، ولا يمكن أن تنجح خطط وبرامج التنمية إلا إذا أسست الجامعات على أساس تخريج الكوادر ذات التخصصات والمهارات العالية والمطلوبة في السوق المحلية. إن أهم ما تهتم به جامعة جدة هو تخريج طلاب في الهندسة، والطب، والآثار، والسياحة، والحاسبات، واللغات الشرقية، وبالذات اللغات الصينية واليابانية والكورية، وهي تخصصات لم تفطن لها جامعاتنا رغم أن الدولة تتجه بكل ثقلها نحو تنمية مورد السياحة انطلاقا من أن أراضي المملكة هي الأراضي التي شهدت قيام الحضارات القديمة وآخرها وأهمها الحضارة الإسلامية التي شع نورها من بطاح مكة المكرمة ومهاد المدينة المنورة وسائر الأراضي المقدسة التي شهدت بزوغ الدين الإسلامي الأعظم.
إذن نحن نقع تحت كنز من الآثار التي تحتاج إلى مشاريع وبرامج استثمارية هائلة، ولذلك فإن التعليم هو حجر الأساس في استثمار هذه الكنوز من الآثار الجليلة والفريدة. والواقع أن الرابط بين سوق العمل، ومؤسسات التعليم يجب أن يكون رابطا عضويا حتى يتناغم الطلب على القوى العاملة مع مخرجات مؤسسات الموارد البشرية واحتياجات السوق السعودية.