«نافس» .. المدخل إلى خصخصة الرياضة السعودية

زف الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة رئيس اللجنة الأولمبية العربية السعودية مطلع الشهر الماضي مشروع إنشاء منصة "نافس" الخاصة بتراخيص الأندية، والأكاديميات، والصالات الرياضية الخاصة. ويهدف هذا المشروع الرقمي العملاق الذي يندرج ضمن برنامج جودة الحياة إلى دخول وزارة الرياضة في العالم الرقمي، وتمكين القطاع الخاص من الاستثمار على نطاق واسع في قطاع الرياضة السعودي، لأن هذه المنصة ستتيح الفرصة للمستثمرين المحليين والأجانب للدخول في المشاريع الرياضية بدءا من تأسيس الأندية أو تطويرها، وكذلك تأسيس الأكاديميات والصالات الرياضية الخاصة.
بمعنى أن منصة "نافس" ستكون بوابة الدخول إلى مشاريع خصخصة الرياضة السعودية. ولذلك نستطيع القول: إن خصخصة الرياضة السعودية قد بدأت بالفعل من خلال منصة "نافس" التي أعلنها أخيرا الأمير عبدالعزيز بن تركي الفيصل وزير الرياضة. والحقيقة نحن هنا نقدر جهود وزارة الرياضة ووزيرها الشاب الأمير عبدالعزيز بن تركي الذي أطلق العنان لهذا المشروع الذي كان حلما طوال ما يربو على الـ 15 عاما.
ولو تأملنا المشروع الذي وضعه السويسري جوزيف بلاتر رئيس "فيفا" سابقا وهو مشروع تحويل الأندية إلى كيانات تجارية باستخدامات رقمية، مع تأسيس مناخ البيئة الرياضية في الملاعب، وكذلك تأسيس دوري المحترفين، نجد أن هذا المشروع هو إداري معرفي، يريد بلاتر أن ينقل اقتصاد المعرفة ومجتمع المعرفة إلى القطاع الرياضي، كما حدث وأصبح اقتصاد المعرفة هو المسيطر على إدارة دفة الاقتصاد في جميع دول العالم المتقدم، حتى المملكة فقد صدر أمر ملكي بتشكيل لجنة لوضع خطة استراتيجية للوصول بالاقتصاد السعودي إلى اقتصاد المعرفة بحلول عام 2030. إن مفهوم الاقتصاد المعرفي يرتبط بالاستخدام الواسع للمنهج الرقمي أو الإلكتروني الذي بدأ يسود في كثير من مفاصل اقتصادنا الوطني، ومنها أخيرا المجال الرياضي.
والواقع أن المؤسسات الرياضية ومنها الأندية الرياضية بدأت تستقطب مجموعة من الكفاءات، كذلك بدأت هذه الإدارات تطبق برامج تقنية المعلومات في إدارة أوضاعها، طبعا ليس بالقدر الذي كنا نتمناه، لكن كل الأندية أجبرت على تطبيق الرقمنة في إجراءاتها الإدارية والمالية، وعلاقاتها مع الأندية الرصيفة أو مع الاتحادات الرياضية أو خطاباتها مع وزارة الرياضة، أو حتى في علاقاتها مع المنظمات الرياضية الخارجية.
مثلا كي تحل الأندية مشكلاتها المالية، فهي لا تحتاج إلى الشيكات المصدقة بقدر ما تحتاج إلى فكر إداري معرفي ينقذها ويحميها من التورط في أزمات تعرقل مسيرتها، وتسبب لها كثيرا من الانشغالات والعوائق. أما القول: إن مشكلة أندية الاتحاد أو النصر أو الأهلي في ديونهم، فهذا كلام غير دقيق لأن أزمات الديون جاءت بسبب أزمات إدارية صارخة تعرضت لها هذه الأندية، وأدت إلى التورط في سلسلة أزمات طالت نتائج كثير من المباريات، وأدت بالتالي إلى تشنج الجماهير الغفيرة التي تصطف خلف وحول هذه الأندية العريقة. ولذلك فإن حل هذه المشكلات هو الفكر الإداري المعرفي المستنير والمانع للأزمات، والآتي بالتمويلات، والمستخدم لوسائل التقنية الحديثة على أوسع نطاق.
بمعنى آخر نحن نحتاج إلى إدارات تتعامل مع الفكر المعرفي المعاصر، حيث تستطيع هذه الإدارات أن تجنب النادي التورط في الهبوط الفني للاعبين، وتحمي خزينة النادي من جفاف الموارد المالية، أي: تجنب النادي اتخاذ قرارات إدارية خاطئة بالتعاقد مع الذي يسوى والذي ما يسوى، ثم يتحمل النادي فاتورة مثقلة بأموال تلحق أضرارا بالغة بمسيرة النادي أو الأندية.
إذن القضية قضية إدارة وليست قضية مال، الإدارة أولا، ثم المال ثانيا، وثالثا، ورابعا، لأن الإدارة بتطبيقها للمنهج الرقمي ووعيها بكل شؤون النادي هي المسؤولة عن تدبير المال وإدارة الأحوال بحكمة وحنكة. نعم الإداري الكفء هو الذي يدبر المال من قنوات رقمية وموضوعية، هو الذي يمنع الفساد المالي، يرشد الإنفاق، ينمي الموارد، يعدد الموارد باستخدام التقنية الرقمية الجديدة، يتابع، يراقب، ينشر الدافعية بين اللاعبين، وأخيرا وليس آخرا يحقق البطولات، لذلك فإن منطق إدارة المعرفة يقول: إن الإدارة هي التي توجد الأندية الناجحة وتجنب الأندية كثيرا من المشكلات التي تعانيها.
صدقوني إذا جاء أي ناد برئيس يتمتع برؤية إدارية جليلة وليدة ثقافة رياضية واسعة، فإن في جعبة هذا الرئيس حلول كثيرة لمشكلات هذا النادي أو ذاك.
ليس أمام الأندية إلا أن تعمل كما عملت البنوك حينما عينت مديرا تنفيذيا صاحب حلول ابتكارية غير تقليدية، هذا المدير المعرفي استطاع أن يحول البنوك المدينة إلى بنوك دائنة ورابحة ووزع على المساهمين أرباحا سنوية مجزية، وأنديتنا في حاجة إلى مديرين تنفيذيين يتجهون برباطة جأش إلى حل المشكلات ويهيؤون أنديتهم للمضي قدما نحو البطولات والألقاب. ونؤكد القول: إن الإبداع في مجال الإدارة فنونها التنظيمية أثبت نجاحه ليس على مستوى المؤسسات والشركات، بل على مستوى الأندية الرياضية، ولنا في الدول المتقدمة عظة وعبرة.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي