التجارة العالمية ومستوى التحدي «2 من 2»
صحيح أن المحادثات حول تجارة الأسماك معقدة، لأن الأسماك لا تسكن أرضا بعينها ولا تحترم حدودا وطنية. يتعين على مفاوضي منظمة التجارة العالمية مراعاة الإطار الحالي لقواعد مصايد الأسماك الدولية، والدور الذي تضطلع به الهيئات التنظيمية التي تحكم عديدا من جوانب الصيد في مختلف أنحاء العالم. كما يتعين عليهم تحديد كيفية تطبيق قواعد الدعم على سفن الصيد المنتشرة على مساحة واسعة.
ما يزيد التحدي تعقيدا حقيقة مفادها أن منظمة التجارة العالمية ليست منظمة لإدارة مصايد الأسماك. لكن منظمة التجارة العالمية لديها إطار عمل طويل الأمد من القواعد التي تحد من إعانات الدعم المقدمة للسلع الصناعية والتجارية، التي تشوه التجارة. لهذا السبب، وافق وزراء التجارة في عام 2001 على اتخاذ تدابير مماثلة لحماية مصايد الأسماك البحرية.
رغم أن الطريق لا يزال طويلا، فإن مسودة النص التفاوضي الحالية من شأنها أن تقدم إسهاما كبيرا في دعم استدامة محيطاتنا. بادئ ذي بدء، يقضي هذا النص بفرض حظر كامل على التمويل الحكومي للسفن التي تشارك في الصيد غير القانوني. ووفقا لمنظمة الفاو، تمثل هذه الأنشطة نحو 11 إلى 26 مليون طن من الأسماك سنويا، أو ما يقرب من 20 في المائة من إجمالي الصيد العالمي. يسعى الاتفاق أيضا إلى كبح جماح أنواع أخرى من إعانات الدعم التي تدعم أنشطة متزايدة في مجال صيد الأسماك، من خلال مطالبة الحكومات بإثبات أنها اتخذت الخطوات اللامة لضمان عدم تسبب هذا الدعم في الإضرار بالمخزونات السمكية.
تتلخص واحدة من أصعب القضايا في المفاوضات في كيفية تحديد واحترام الالتزام التفاوضي الأصلي الذي يضمن المعاملة الخاصة التفضيلية للبلدان النامية - خاصة البلدان الأقل نموا. يعتمد أكثر هذه البلدان على الصيد الاحترافي على نطاق صغير، وهي تسعى إلى إيجاد حيز سياسي أكبر لتطوير قدراتها الصناعية في مجال صيد الأسماك. ولكن نظرا إلى ضعف قدرتها فيما يتصل بإدارة مصايد الأسماك، فقد تواجه صعوبات جمة في تنفيذ أنظمة دعم جديدة بسرعة وفاعلية بقدر ما في وسع الأعضاء الموسرين.
تتمثل قضية صعبة أخرى في ضمان الشفافية، في ظل متطلبات تفرض على العضو تقديم إشعار عند نشر إعانات دعم غير ضارة وغير مسببة للتشوهات لتشجيع صناعة الصيد. لن يكون التصدي لهذه القضايا بالمهمة السهلة، لكن التصدي لها واجب حتمي، لأن أعضاء منظمة التجارة العالمية تعهدوا بحماية مصايد الأسماك والمحيطات التي نتشاركها جميعا.
من خلال التفاوض من أجل التخلص من إعانات الدعم الضارة بمصايد الأسماك، لن يكتفي أعضاء منظمة التجارة العالمية باحترام التزاماتهم السابقة، بل إنهم بذلك يعطون زخما لجهود دولية أخرى لمعالجة المشكلات في المشاعات العالمية - من تغير المناخ إلى جائحة مرض فيروس كورونا 2019. نأمل أن يرتقي وزراء التجارة في العالم إلى مستوى التحدي.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.