قهوة باردة

في ليلة مزدحمة، انتهى منهكا من اجتماع عمل مرهق ومتأخر.
توجه من مقر الاجتماع مباشرة إلى مقر إقامته في الفندق. خلد إلى الفراش دون أن يراجع هاتفه، ليرد على الاتصالات المتتالية التي وردت إليه، أو حتى تصفح الرسائل المتعددة التي تراكمت وتكدست في جهازه.
استيقظ متعبا، يبحث عن أقرب مقهى يعد له قهوة، تعيد له حيويته وتعدل مزاجه. أقله سائق الأجرة إلى مقهى بعيد، ولكن "الجميع يمتدحه" حسب وصف السائق.
ضاق ذرعا بعد أن وصل إلى المقهى المنتظر، وانخرط في طابور طويل للغاية، كأنه أفعى طويلة، ترى ذيلها ولا ترى رأسها.
الصوت عال. الكل يتحدث ويناقش ويزأر.
كظم غيظه، وانشغل بهاتفه لعله يصل دون أن يشعر، ولكن الملل بدأ يتسرب إلى داخله ويغمره.
أنقذه تلقيه اتصال عمل، لم ينته إلا وهو أمام المحاسب. طلب قهوة سوداء ساخنة. سأله البائع عن اسمه، ليناديه عندما ينتهي من تجهيزها. انتظر دوره لتنعشه القهوة، وتعيد البريق إلى عينيه.
بعد طول انتظار، وصلته القهوة.
المزعج أنها لم تكن التي طلبها. لقد كانت باردة. خلاف ما طلبها تماما. استشاط غضبا، وكاد أن يقذف بها في وجه العامل الذي سلمه إياها.
نهره بصوت مدو سمعه القاصي والداني: "هذه ليست قهوتي. طلبت ساخنة، وليست مثلجة. أتفهم؟".
امتص العامل غضبه، قائلا بصوت خفيض يفيض احتراما: "أعتذر يا سيدي. الآن أعد لك قهوتك المطلوبة. الخطأ منا. أكرر أسفي". امتص العامل غضب الزبون قليلا. عاد له على جناح السرعة، وبيديه (صينية) تحمل القهوة السوداء الساخنة، وطبق (حلا). ناولهما الزبون مرددا: "نعتذر مجددا. وهذا (الحلا) هدية منا، إثر ما سببناه لك أستاذنا من متاعب. اجلس وتناول قهوتك ولك الحق حتى ترضى".
ابتسم الزبون، وأخذ مكانا له في المقهى المتخم بالبشر. وعاد له العامل مجددا، وهو يحمل سؤالا لطيفا: "أي خدمة أخرى؟".
شكره الزبون، وسأل العامل عن اسمه وتخصصه، ورقم هاتفه بسبب إعجابه بشخصيته.
تحول الزبون من غاضب إلى معجب بالعامل.
خرج الزبون، وهو يحمل في نفسه مشاعر تقدير لتصرف الشاب، وقدرته على احتواء الزبائن.
ساعده على الحصول على فرصة وظيفية، راتبها أعلى بثلاث مرات من الذي يتقاضاه في وظيفته الحالية.
لا بأس أن نخطئ، ولكن من الضروري أن نتعلم كيف نتعامل مع أخطائنا، فرد الفعل هو الفيصل. قد يطفئ الحريق، أو يسهم في اشتعاله أكثر.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي