السياسة الاقتصادية الأمريكية من النيوليبرالية إلى الشعبوية «2 من 2»

بموجب هذا الترتيب للسياسية الاقتصادية الأمريكية لعصور كثيرة من الرؤساء السابقين في البيت الأبيض، فقد ارتفع التضخم بشكل معتدل، فسيتعين على الاحتياطي الفيدرالي أن يتبنى سياسة الإهمال الحميد، لأن البديل - السياسة النقدية المحكمة المضادة للتضخم - من شأنها أن تؤدي إلى انهيار السوق والركود الحاد. يمثل هذا التغير في موقف الاحتياطي الفيدرالي انفصالا حادا آخر عن حقبة 1991 ـ 2016.
علاوة على ذلك، نظرا للعجز المزدوج الضخم في أمريكا، تخلت إدارة بايدن عن ملاحقة سياسة الدولار القوي. ورغم أنها لا تفضل الدولار الأضعف بشكل علني كما فعل ترمب، فمن المؤكد أنها لن تمانع في تحول العملة على النحو الذي قد يستعيد قدرة الولايات المتحدة التنافسية ويقلل العجز التجاري المتصاعد.
للتعويض عن فجوة التفاوت في الدخل والثروة، يفضل بايدن التحويلات المباشرة الضخمة وخفض الضرائب على العمال والعاطلين عن العمل، والعاملين بدوام جزئي، والذين تخلفوا عن الركب. مرة أخرى، هذه هي السياسة التي بدأت في عهد ترمب، مع قانون مساعدات فيروس كورونا، والإغاثة، والأمن الاقتصادي بقيمة تريليوني دولار، فضلا عن مشروع قانون التحفيز بقيمة 900 مليار دولار الذي جرى إقراره في كانون الأول (ديسمبر) 2020. وفي عهد بايدن، أقرت الولايات المتحدة حزمة تحفيز أخرى بقيمة 1.9 تريليون دولار وتدرس الآن برنامجا للإنفاق الإضافي على البنية الأساسية، بتعريفها العريض، بقيمة أربعة تريليونات دولار.
بينما يدفع بايدن في اتجاه ضرائب أكثر تصاعدية مقارنة بما قدمه ترمب، فإن قدرة إدارته على زيادة الضرائب مقيدة. وعلى هذا، فكما كانت الحال في عهد ترمب، سيأتي تمويل العجز المالي الضخم مرة أخرى بديون سيضطر الاحتياطي الفيدرالي، في الأغلب الأعم، لتحويلها إلى نقود بمرور الوقت.
كما سيعمل بايدن على توجيه ردة الفعل العامة المعاكسة ضد الشركات الكبرى وشركات التكنولوجيا الضخمة التي بدأت في عهد ترمب. وقد بدأت إدارته تتخذ بالفعل خطوات للحد من قوة الشركات من خلال إنفاذ قوانين مكافحة الاحتكار، والتغييرات التنظيمية، والتشريع في نهاية المطاف. في كل من هذه الحالات، يتمثل الهدف في إعادة تخصيص جزء من الدخل الوطني من رأس المال والأرباح إلى العمالة والأجور.
بهذا، خرج بايدن من البوابة بأجندة اقتصادية شعبوية جديدة أقرب إلى أجندة ترمب وليس أجندة أوباما. لكن هذا التحول المذهبي ليس مفاجئا. فكلما أصبح التفاوت بين الناس مفرطا، أصبحت الساسة من اليمين واليسار أكثر شعبوية. البديل هو السماح للتفاوت الجامح بين الناس بالتحول إلى مصدر للصراع الاجتماعي، أو في حالات شديدة التطرف، أو تقود إلى حرب أهلية أو ثورة.
كان من المحتم أن يتحول بندول السياسة الاقتصادية الأمريكية من النيوليبرالية إلى الشعبوية الجديدة. لكن هذا التحول رغم كونه ضروريا، سيجلب مخاطر مرتبطة به. فالديون العامة والخاصة الضخمة تعني أن الاحتياطي الفيدرالي سيظل واقعا في فخ الديون. علاوة على ذلك، سيكون الاقتصاد عـرضة لصدمات العرض السلبية نتيجة لتراجع العولمة، والانفصال بين الولايات المتحدة والصين، والشيخوخة المجتمعية، والقيود المفروضة على الهجرة، وكبح جماح قطاع الشركات، والهجمات السيبرانية، وتغير المناخ، وجائحة مرض فيروس كورونا كوفيد - 19.
قد تساعد السياسات المالية والنقدية المتساهلة على زيادة حصة العمالة في الدخل في الوقت الراهن. لكن بمرور الوقت، قد تؤدي العوامل ذاتها إلى ارتفاع معدلات التضخم أو حتى الركود التضخمي "إذا نشأت صدمات العرض السلبية الحادة". وإذا أدت السياسات الرامية إلى تضييق فجوة التفاوت إلى زيادات غير مستدامة في الديون الخاصة والعامة، فقد يصبح المسرح ممهدا لذلك النوع من أزمات الديون التضخمية الركودية التي حذرت منها في وقت سابق من هذا الصيف.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي