العملة الرقمية وحرب العملات

يقول علماء النقود والبنوك إن العملة الرقمية تتقدم نحو الاعتراف الكامل، بل إن بعض الاقتصاديين يراهنون على أن العملة الورقية ستختفي من الأسواق، وستصبح العملة الرقمية هي العملة التي تسود في كل مراكز النقود والبنوك في العالم .. حتى على مستوى الاستخدام الفردي فقد انتشرت العملة الرقمية في التعاملات الفردية في كل أنحاء العالم، وتخلص الكثير جدا من الناس من العملة الورقية ومن كل العملات التقليدية.
واليوم اشتعلت الحرب التجارية العالمية، ولعلنا نلاحظ أن الأزمات المالية التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي .. هي أزمات تبدأ في الدول المتقدمة، ثم تتسلل إلى كل دول العالم، وحينما تأخذ صفة العالمية، فإن الدول من خارج الدول المتقدمة مجبرة على دفع الثمن لإصلاح النظام الاقتصادي الدولي، وإذا رجعنا إلى تاريخ صندوق النقد الدولي نلاحظ أنه نشأ خصيصا لإيقاف عمليات حرب تخفيض العملات التي انطلقت من الأسواق الغربية في أربعينيات القرن الماضي. وإذا كانت الصين لا تستجيب لنداءات الولايات المتحدة وتصر على بقاء العملة الصينية عند مستواها الحالي بانخفاض يصل إلى 20 في المائة تقريبا من السعر الحقيقي، إنما تفعل ذلك لأنها تعرف تماما الضعف الذى يعانيه النظام النقدي الدولي الحالي، وهي لذلك تعمل على استغلال هذا الضعف فيما يعود عليها بالفائدة.
وضمن أجندة اقتصاد المعرفة الذي تتسابق على تطبيقه ــ في هذه الأيام ــ كل دول العالم .. تأتي قضية العملات الرقمية لتحتل حيزا كبيرا في مجالات الاقتصاد الدولي. ويحسن أن نعود مرة أخرى إلى تعريف العملة الرقمية، إن العملات الرقمية هي الأموال الافتراضية المستخدمة على شبكة الإنترنت، وتتميز بكل الخصائص والمزايا التي نعرفها في العملات التقليدية، فمثلا مثلما نستطيع أن نتعامل مع العملات التقليدية في البيع والشراء، وصرف الرواتب، والتحويل، والإيداع، والاستثمار والادخار، فإننا نستطيع ــ عبر الإنترنت ــ أن نحصل على العملات النقدية من عمليات البيع والشراء، والتحويل، والتبادل، وعقد الصفقات بأنواعها، وإلى غير ذلك من الاستخدامات المالية والمصرفية. وإضافة إلى ذلك فإن العملات الرقمية ليست لها حدود جغرافية أو سياسية، فهي عملات تجوب أجواز الفضاء الفسيح دون قيود أو حدود.
وتعد البيتكوين واحدة من العملات الرقمية التي دخلت الأسواق العالمية بقوة، وأصبحت ظاهرة عالمية تنتشر بين بعض الناس في كل مكان من العالم، بل حطمت عملة البيتكوين الحواجز القصوى غير المرئية للعملات الرقمية، وتجاوزت قيمة الذهب لأول مرة في التاريخ، وإلى جانب البيتكوين هناك الإنثروين، وريبل، ولايتكوين. وفي ظل الأزمة التي يعانيها الاقتصاد العالمي حاليا، فإن الاقتصاد العالمي يحتاج إلى "روشتة" عاجلة لوقف حرب العملات، وهي الحرب التي بدأت بين الولايات المتحدة والصين، ثم اقتحمت السياسة النقدية في كل دول العالم.
إن الأزمة المالية العالمية في الثلاثينيات بدأت بحرب العملات، وتوقفت بإنشاء صندوق النقد الدولي، ونرى أن الأزمة المالية الحالية التي يعانيها الاقتصاد الدولي ستعالج بإقرار العملة الرقمية عالميا وإلغاء العملة الورقية. ونعتقد أنه ليس من الصعوبة ملاحظة أن السلع الصينية تجتاح الأسواق العالمية بأسعار منخفضة وجودة بدأت تتحسن وتسبق غيرها من السلع والخدمات الآتية من أسواق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان...
ولذلك فإن اليابان والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الناشئة انضموا إلى الولايات المتحدة في حربها التجارية مع الصين، وأصبحوا يطالبون الصين برفع سعر اليوان قبالة العملات الأخرى، لافتين النظر إلى أن الولايات المتحدة قبل الصين كانت وما زالت تنفذ سياسة نقدية تهدف إلى خفض سعر الدولار، ولكن الصين في المقابل تشترى ما متوسطه مليار دولار يوميا في محاولة منها لتجفيف الأسواق من الدولار وإبقاء سعر الدولار مرتفعا وسعر اليوان منخفضا، وهكذا تتصاعد حرب العملات في محيط الدول العالمية الكبرى، ولقد بدأت آثار هذه الحرب تطفو فوق السطح بشكل واضح وملموس.
وهنا يجب أن نشير إلى أن دور منظمة التجارة العالمية لم يكن له وجود رغم أن دور هذه المنظمة كان يجب أن يكون قويا إزاء إطفاء حرائق الحرب التجارية، لأن نظام التجارة الدولية الذي أرسته المنظمة سيتقوض بسبب هذه الحرب، ولكن يبدو أن منظمة التجارة العالمية تغط في نوم عميق لأنها ما زالت أسيرة مصالح بعض الدول التي كانت لها مصلحة في كل ما يجري حاليا في الساحة الاقتصادية العالمية.
وفي ضوء ذلك نستطيع القول إن الاقتصاد الدولي بدأ يدخل مرحلة مفصلية من مراحل الحرب التجارية العالمية، وبدأت الدول تتحلل من الاتفاقات الاقتصادية التي وقعتها تحت مظلة منظمة التجارة العالمية التي كانت تسعى إلى خفض الرسوم الجمركية ما وسعها الجهد حتى يتحقق الهدف النهائي بوجود تجارة عالمية تتدفق بين الدول دون أي معوقات تذكر ودون رسوم جمركية أو بحدود دنيا للرسوم الجمركية. أما بالنسبة إلى الآثار في اقتصادات دول الخليج نتيجة حرب العملات، فإن ارتباط عملات دول الخليج بالدولار يجعلها تتعرض لبعض الشظايا التي تصيب الدولار، فمثلا في حال انخفاض الدولار يتبعه انخفاض في الريال، والدينار، والدرهم، ويسفر هذا عن انخفاض في تكلفة الواردات من المناطق الأخرى التي تقوم صادراتها بغير عملة الدولار مثل منطقة اليورو حينما يتم استيراد السلع الأوروبية، أو منطقة الين حينما يتم استيراد السلع اليابانية، وفي حال تراجع قيمة الدولار بالنسبة إلى العملات الرئيسة الأخرى كاليورو أو الين، فإن تكلفة السلع المستوردة تزداد، وعندئذ ندخل فيما يسمى استيراد التضخم. ونلاحظ ــ أنه رغم أن العالم يخوض حربا تجارية عالمية ــ إلا أن الآثار السلبية في العملة الرقمية أقل بكثير من الآثار السلبية في العملة التقليدية، وقد تكون العملة الرقمية هي الملاذ للهروب من حرب قادمة للعملات!!

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي