منصة الرياض المبتكرة .. التزام ومسؤولية
تتحرك المملكة العربية السعودية دائما بفاعلية مع جميع دول العالم، التي تعمل على مصلحة البشرية والإنسانية، وذلك في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية، وتدعم في كل الاتجاهات الاتفاقيات الدولية التي تهيئ حالة الاستقرار والأمان لشعوب العالم. ومن الجهود البارزة والمميزة التي دعت إليها السعودية مبادرة الاقتصاد الدائري للكربون، التي كانت ضمن مبادرات قمة العشرين، وعلى الرغم من أنها تعد من أقل دول العالم في انبعاثات الكربون إلا أنها عملت على تأسيس "منتدى الحياد الصفري للمنتجين"، مع الولايات المتحدة ودول أخرى يمثلون مجتمعين 40 في المائة من الإنتاج العالمي للبترول والغاز، بهدف دعم تطبيق اتفاقية باريس للتغير المناخي.
السعودية تؤكد أنها ملتزمة بتطبيق بنود الاتفاقية، لكنها ترى أن لذلك طرقا مختلفة، ولكل دولة ظروفها، وأن الابتكار والتقنية معا يشكلان قاعدة أساسية للعمل على الوصول إلى تحقيق أهداف الحياد الصفري. واستمرارا لمبادرات السعودية في هذا المجال، فقد أعلن صندوق الاستثمارات العامة بالتعاون مع مجموعة تداول السعودية نيته تأسيس منصة الرياض الطوعية لتداول وتبادل تأمينات وتعويضات الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وفي هذا الصدد، أشاد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز، ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الدفاع، رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة، بجهود المملكة ودورها الرائد في المنطقة لمواجهة تحديات تغيرات المناخ، وتحفيز المؤسسات على تقليل انبعاثاتها الكربونية. السعودية بذلت جهدا كبيرا في الحد من الانبعاثات الكربونية، وأسهم ذلك في تعزيز دور الرياض العالمي.
الطريق نحو هدف مشروع تقليل الانبعاثات متعدد الاتجاهات، ودور الحكومات هو إتاحة كل السبل، وتسهيل كل الوسائل أمام الشركات نحو تحقيق هذه الأهداف، وليس مجرد فرض اتجاه واحد ينتهي بالدول الأقل دخلا نحو خيار البقاء في الأسواق بالانبعاثات أو الخروج منها، كما أنه وفقا لبعض الظروف الاجتماعية والاقتصادية المختلفة، فإنه في الغالب سينتهي هذا المشروع نحو عدم تحقيق مستهدفات اتفاقية المناخ، وفق اتجاهاتها الصحيحة.
وتبنى فكرة منصة الرياض الطوعية لتداول وتبادل تأمينات وتعويضات الكربون على مبدأ تسعير الكربون، وذلك بجمع تكاليف الأضرار الناتجة عن الانبعاثات مثل تلف المحاصيل، وفرق تكلفة الرعاية الصحية، والأضرار، التي تصيب الممتلكات من الفيضانات، وارتفاع مستوى سطح البحر، ومن ثم إعادة تحميل عبء ذلك على المسؤولين عنه، والذين يجب عليهم الحد منه، وبذلك يصبح أمام هؤلاء المسؤولين عن الانبعاثات اتخاذ قرار بشأن الحد منها، أو التوقف عن نشاطهم، أو الاستمرار في إطلاق هذه الغازات الدفيئة مع دفع الثمن.
التدفقات النقدية الناتجة عن تسعير الكربون تسهم في تطوير تكنولوجيا جديدة منخفضة الانبعاثات الكربونية، ويحافظ على النمو الاقتصادي والاستدامة، لكن هذا التسعير يحتاج إلى سوق ابتكارية ومنصات تداول مبتكرة. وسوق تسعير الكربون تعتمد على مبدأ تحديد سقف لإجمالي الانبعاثات، ويسمح للشركات بإطلاقها إلى حد معين، ولا يسمح لها بتجاوز هذه الحصص من جانبها، بل يجب عليها شراء تصاريح قد تكون فائضة عن حاجة شركات أخرى سمح لها بإصدار الانبعاثات، والشركة التي تتجاوز السقف المخصص لها دون الحصول على ترخيص قد تدفع غرامات وضرائب كربون باهظة.
ويعد نظام تداول الانبعاثات في أوروبا، الذي تم إطلاقه في 2005، أول نظام عالمي من نوعه في تلك الأسواق، ومن المنصات الابتكارية، التي تتيح تداول تصريحات الانبعاثات الكربونية، وهو يغطي نحو 40 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الاتحاد الأوروبي من الكهرباء، والتصنيع، والطيران، في جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة، إضافة إلى أيسلندا، وليختنشتاين، والنرويج.
وستعد المنصة، التي أعلنها صندوق الاستثمارات العامة عند تنفيذها، بإذن الله، واحدة من أهم المنصات العالمية لتسعير الانبعاثات الكربونية، وستكون الرئيسة في المنطقة، والواجهة الأساسية للشركات والقطاعات المختلفة، التي تهدف إلى تقليل انبعاثات الكربون، أو المساهمة في ذلك من خلال شراء أو بيع أرصدة تعويض الكربون المكافئ عالية الجودة، التي تم التحقق، والموافقة عليها.
وبغض النظر عن الإسهام الكبير لهذه المنصة في تحقيق تطلعات السعودية نحو الشرق الأوسط، ودعم اقتصاد دوله بما يحقق للشعوب الرفاهية والشبكات الاجتماعية الآمنة، ويعيد الأمة العربية إلى مسار التنمية والتقدم، فإن هذه المنصة تعد بذاتها استثمارا كبيرا وواعدا جدا لصندوق الاستثمارات العامة، وستكون لها الريادة في مستقبل سوق الكربون العالمية، التي من المتوقع أن تصل قيمة الحصة فيها إلى أكثر من 70 دولارا، بينما هي الآن عند مستويات دولارين، وسترتفع التداولات في هذه السوق على الرغم من أنها طوعية حتى الآن، كما يتوقع أن تسهم التشريعات الحكومية، التي تسعى إلى تنفيذ قوي لاتفاقية باريس للمناخ في الوصول إلى هدف الحياة الصفري حتى قبل موعده.
ونظرا إلى ارتفاع الوعي الإنساني بمسائل البيئة والتغيرات المناخية ولما يشهده المناخ العالمي من تقلبات مشهودة، فقد أكد محافظ صندوق الاستثمارات العامة أن الصندوق يحرص على توظيف خبراته في المجالات المالية لإيجاد بيئة مناسبة لهذه المنصة، استنادا إلى علاقاته وشراكاته وقوة محفظته الاستثمارية، وذلك تماشيا مع الجهود الدولية الهادفة إلى المساهمة في تحسين أثر الاستثمارات في المناخ والبيئة، خاصة أن للصندوق حضورا ودعما لمبادرات عالمية مثل مبادرة مجموعة العمل الدولية لصناديق الثروة السيادية "الكوكب الواحد"، وذلك لتعزيز الاهتمام بالعوامل المؤثرة في التغير المناخي في إدارة محافظ أصول صناديق الثروة السيادية المنوعة، والضخمة على المدى البعيد.
تعدد مبادرات السعودية في شأن الحد من الانبعاثات الكربونية ينم عن حرصها على الأرض والطبيعة، والمساهمة بشكل فاعل في حماية الكوكب من التأثيرات السلبية لتلك الانبعاثات، والقيام بالدور المسؤول الذي يؤكد جدارة الرياض في قيادة هذه المشاريع حتى يتضح أثرها البالغ عالميا.