ترويض رياح الركود التضخمي «2 من 2»
يرحب المتشائمون إزاء الركود التضخمي بزيادة الاستثمار في الأعمال لكنهم يخشون ألا تأتي فوائده بالسرعة الكافية، خاصة مع إعادة توجيه سلاسل التوريد. وعلى هذا فإن ارتباكات العرض ستستمر لفترة أطول كثيرا، في اعتقادهم، وستتخلف البنوك المركزية عن تقديم الاستجابة السياسية المطلوبة. أظن أنه من غير المحتمل أن يهيمن أي من هذين السيناريوين على الفترة المقبلة. لكنهما سيؤثران في البديل الذي بدأ يتحقق بالفعل.
في الأحوال المثالية، سيستجيب صناع السياسات في الوقت المناسب وبطريقة ذاتية التعزيز للأدلة المتزايدة التي تشير إلى قدوم الركود التضخمي. وستقود الولايات المتحدة هذه الجهود من خلال التقدم بشكل أسرع على محور السياسات، مع قيام الاحتياطي الفيدرالي بالفعل بإلغاء بعض سياساته النقدية المفرطة التساهل وسعي الكونجرس إلى تمكين إدارة الرئيس جو بايدن من المضي قدما في خططها الرامية إلى تعزيز الإنتاجية والنمو الأبعد أمدا في الولايات المتحدة من خلال تعزيز الاستثمارات في البنية الأساسية المادية والبشرية. من ناحية أخرى، ستقوم السلطات المالية الوطنية والدولية بالتنسيق بشكل أفضل لتعزيز الضوابط التنظيمية الاحترازية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالإفراط في خوض المجازفات بين المشاركين في السوق من غير البنوك.
ستؤدي هذه التدابير إلى تراجع الضغوط التضخمية، وتمكين النمو الأسرع والأكثر شمولا، والاستقرار المالي الحقيقي. ومن الممكن أن تتحقق مثل هذه النتيجة شريطة أن تستمر الاستجابة السياسية المطلوبة بطريقة شاملة ومنضبطة من حيث التوقيت.
في غياب مثل هذه الاستجابة، ستصبح طبيعة مشكلات جانب العرض أكثر بنيوية، فتصبح بالتالي أكثر دواما من توقعات المعسكر الذي يرى أن الأزمة عابرة. وستتعاظم الضغوط التضخمية الناجمة عن ذلك بفعل الأجور الأعلى التي ستضطر عديد من الشركات إلى عرضها لاجتذاب العاملين الذين تفتقر إليهم حاليا والاحتفاظ بمن لديهم بالفعل من العاملين. مع تأخر البنوك المركزية في تقديم الاستجابة السياسية اللائقة، تهدد التوقعات التضخمية بأن تكون غير مستقرة، ما يفرض بشكل مباشر نموذج التقلب المنخفض الذي ساعد على دفع أسعار الأصول المالية إلى الارتفاع على نحو متزايد لا ينقطع.
ولأن الاحتياطي الفيدرالي سيضطر بعد ذلك إلى الضغط على مكابح السياسات، فمن غير المرجح أن يستمر معدل التضخم الأعلى. من المؤسف أن خفضه سيأتي على حساب نمو أدنى وأقل شمولية، خاصة إذا ظلت خطط إدارة بايدن عالقة في الكونجرس "وهو الأمر الأكثر ترجيحا في سيناريو التضخم المرتفع". بدلا من الركود التضخمي المطول، سيكرر الاقتصاد العالمي الحالة التي شهدها في أعقاب أزمة 2008 المالية العالمية: النمو المنخفض والتضخم المنخفض.
الواقع أن ظهور اتجاهات الركود التضخمي أخيرا تخدم كتذكرة في حينها بالحاجة الملحة إلى اتخاذ تدابير شاملة في السياسة الاقتصادية. وكلما تجسدت هذه الاستجابة بسرعة أكبر، تزايدت احتمالية ترسيخ التعافي الاقتصادي، والرفاهية الاجتماعية، والاستقرار المالي. أما إذا أخر صناع السياسات استجابتهم، فلن يتسنى إنقاذ الاقتصاد العالمي من خلال قوى التصحيح الذاتي ولن يدفـع به إلى فخ الركود التضخمي المطول. ما سيحدث بدلا من ذلك هو أن العالم سيعود إلى "الوضع المعتاد الجديد" السابق المتمثل في ضعف الأداء الاقتصادي، وإنهاك التماسك الاجتماعي، والتقلبات المالية المزعزعة للاستقرار.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.