الابتكار والتطوير الدفاعي

في بداية التسعينيات من القرن الـ 20 بدأ البحث بجدية فيما يخص بناء نظرية للابتكار الدفاعي، وبذل كثير من الجهود لتعريف مفهوم الابتكار الدفاعي والعلاقة التي تربطه بالتغيير التكنولوجي. ولعلي هنا في البداية أقف لحظات لأستعرض معكم ما الابتكار؟ وماذا يعني؟ وما المقصود به؟ ولعلنا اطلعنا ونتفق سويا أن هناك عدة تعاريف ومقاصد ومسميات، تدور حول هذا الموضوع، إلا أنني قد أعبر هنا عنه مجازا، وأستخدم ما يسمى The Concept، وهو ما يعرف بالشمولية المختصرة، حيث وجدت أن أفضل التعاريف للابتكار تلك التي تخصه بأنه جعل من الاختراعات وما هو جديد مفيد، قابليته للتنفيذ والاستخدام من المنظور العلمي التقني، وعليه يمكننا كذلك تفسير ما يتفق عليه المنظرون، من أن الابتكار الدفاعي والتكنولوجي ليس بالضرورة أن يتطابقا، إلا أنني أرى أن كلا منهما محفز للآخر حيث يمكن أن يستخدم الابتكار الدفاعي تكنولوجيا جديدة أو قديمة، لكن بشكل مبتكر، ما يرفع من الكفاءة والإنتاجية والفاعلية، وتحقيق الأهداف المنشودة منه، ولعل ما نشاهده من ابتكارات إبداعية حديثة في مجال الابتكار الدفاعي يزيد فرص تقدم الدول والفوز بحق الأسبقية لها في ذلك.
إذا ما تمعنا في هذا المجال بشكل واسع، نجد أن الدول العظمى قد لعب فيها الابتكار والتطوير الدفاعي دورا أساسيا كبيرا في تقدمها على بقية الدول الأخرى، ومن الأمثلة على ذلك الولايات المتحدة التي تعد من أكثر الدول دعما للابتكار في التطوير الدفاعي، ويتم ذلك عبر تعزيز العلاقات والشراكات مع المراكز البحثية والجامعات وشركات التكنولوجيا، وإبرام العقود مع كبرى الشركات في Silicon Valley في مجال التكنولوجيا، ولذلك أنشئت مبادرة الابتكار الدفاعي الأمريكية، التي من أهم أهدافها الاستحواذ على التكنولوجيا بالشراكة مع القطاع الخاص تحديدا، ومع غيره من القطاعات ذات العلاقة.
كما أن عملية التطوير هي المرحلة التالية اللاحقة، التي تأتي بعد تحقيق الابتكار حيث يظهر الإبداع بتطوير هذه الأفكار المبتكرة، والاستفادة منها بتطبيقها على أرض الواقع، واستخدامها بتطبيقاتها الإبداعية المختلفة. إلا أننا نرى كثيرا من البراءات والاختراعات الصناعية المحلية، تظل حبيسة الرفوف وفي أدراج الباحثين إلا قليلا منها، حتى أخرج من دائرة التعميم، وبالتالي تفتقد إلى التطوير والتطبيق والإبداع وبالتالي نفقد الاستفادة منها. يتوافر كثير من الاختراعات لدينا، التي حصل مخترعوها ومبدعوها على براءات اختراع من الهيئات المعنية بمنح الملكيات الفكرية، إلا أنها لا تعد ابتكارا كونها لم تلامس الواقع، ولم يجد المستخدم فائدتها في مختلف مجالاتها، وبالتالي تموت في مهدها ولا يمكن تطويرها.
من هنا جاء دور القيادة الحكيمة الملهمة، بإيجاد هيئات مختصة ومعنية في كل تخصص ومجال، فعلى سبيل المثال صدور القرار بإنشاء الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، وتعنى بأنشطة البحث والتطوير والابتكار ذات الصلة بمجالات التقنية والأنظمة الدفاعية، والمتوقع أنه سيكون من أولوياتها وسياساتها الاستراتيجية، العمل على تطوير العلاقات والشراكات مع المراكز البحثية والجامعات وكبرى شركات التكنولوجيا، وإبرام العقود مع كبرى تلك الشركات، ورسم خريطة طريق لتحويل الاحتياجات المبتكرة إلى ابتكارات حقيقية ملموسة، وذلك يوضح آلية لتصنيعها لتصبح فعلا ابتكارات سعودية معتبرة، وتطويرها بمنظومة البحوث المستمرة، التي يقوم على ذلك كثير لدينا من المراكز البحثية مثل مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، ومركز الأمير سلطان للدراسات والبحوث الدفاعية وغيرها من الشركات التكنولوجية المعتبرة، لتحقق العلاقة بين الابتكار والتطوير، التي هي علاقة تكاملية متجانسة تحقق بها القوة الدفاعية المنشودة والربط التكاملي للمنظومة الثلاثية، وتمثل البحث والابتكار والتصنيع. ولعلنا في مقال آخر نستعرض بعض التجارب والأمثلة على الابتكارات التقنية لتكون بمنزلة Bench-mark لعمل بعض المقارنات العلمية والعملية للاستفادة منها في فهم آلية ومجالات الابتكار الدفاعي والاستفادة منها محليا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي