الابتكار والطاقة الخضراء
إن ما يواجهه العالم اليوم من تحديات التغير المناخي وسباق الأمم لتحقيق التقدم التكنولوجي والصناعي وتأثير الانبعاثات على حياة البشر، يجعلنا بحاجة ماسة جدا إلى الابتكار وإيجاد الحلول الإبداعية غير التقليدية للمشكلات التي يواجهها العالم، وبالتالي المحافظة على سلامة هذا الكوكب الذي نعيش فيه. ولعلي في هذا المقال أستعرض معكم بعض سبل الابتكار المحلية والدولية في استخدام الطاقة الخضراء والدور الذي تقوم به المراكز البحثية في ذلك ومدى إمكانية المملكة مواكبة الدول المتقدمة والاستثمار في هذا المجال. دولتنا حباها الله بمساحة شاسعة ومختلفة الطقس والأحوال الجوية والرياح العالية على مدار العام، ما يمكن من الاستفادة من ذلك في توفير الطاقة البديلة والمتجددة، كطاقة الرياح وتقنيات الطاقة الشمسية.
ومعلوم أن مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية إحدى الجهات البحثية ذات العلاقة في الابتكار والبحث العلمي وتسهيل هذا الدور لشتى الجهات، حيث تقوم بدور كبير في مجال تنمية البحث العلمي والابتكار وتعمل على ذلك. فعلى سبيل المثال، في مجال الطاقة الخضراء طورت المدينة إنتاج تقنيات ومواد مبتكرة صديقة للبيئة وقابلة للتدوير، قابلة للتنقل في المناطق القاحلة لإنتاج الماء العذب، وباستخدام الطاقة المتجددة، حيث يتم استهلاك طاقة أقل وتكلفة أقل. وأطلقت عديدا من الأبحاث والابتكارات المتعلقة بتقنيات الطاقة الشمسية واستخدام الألواح الشمسية كمصدر بديل للطاقة مع وجود التحديات الكبيرة لاستخدام مثل هذه التكنولوجيا التقنية، مثل مشكلات الغبار المتجمع على تقنيات الألواح الشمسية والمشكلات التي تسببها درجات الحرارة المرتفعة، التي بمعالجتها نحقق زيادة العمر الافتراضي ونرفع من كفاءة الأداء لهذه التقنيات ونحقق بذلك مفهوم الاستدامة.
كما تعمل الدول العظمى منذ عقود على أن يكون استخدام الطاقة النظيفة بديلا للطاقة التقليدية، مثل الولايات المتحدة التي تعمل على تمكين مستقبل الطاقة الشمسية. وأصبحت الطاقة الشمسية منذ 2014 تلعب دورا تنافسيا اقتصاديا لمصادر الطاقة التقليدية الأخرى هناك، حيث انخفضت تكاليف الألواح الشمسية بنحو 70 في المائة. وأصدرت وزارة الطاقة هناك أخيرا في سبتمبر 2021 دراسة توضح دور الطاقة الشمسية في تحقيق شبكة كهربائية أمريكية خالية من الكربون. ووجدوا أن توفير الألواح الكهروضوئية على مساحة 22000 ميل مربع، أي بمساحة تعادل حجم بحيرة ميشيجان، يمكن أن يوفر ما يكفي من الكهرباء للولايات المتحدة بأكملها، ويتوقع بحلول 2030 أن يكون لكل منزل من سبعة منازل في أمريكا نظاما مستقلا للطاقة الخضراء. كما أنه تم استخدام تركيز الطاقة الشمسية الحرارية Concentrating Solar Thermal Power كطريقة أخرى لالتقاط الطاقة من الشمس بنحو 1.8 جيجاواط، وبالتالي انخفضت تكاليف محطات الطاقة الشمسية إلى نحو 50 في المائة خلال عشرة أعوام، ووجدوا أنه من خلال الدراسات أنه يمكن توفير نحو 158 جيجاواط من الطاقة بحلول 2050.
إن استغلال المبادرات التي تطلقها الدولة ممثلة في توجيهات القيادة الحكيمة، وعقد الشراكات الاستراتيجية مع الشركات العالمية في تلك الدول التي سبقتنا في مثل هذه المجالات، وقد يلعب صندوق الاستثمارات العامة دورا كبيرا في ذلك، وتعزيز التكامل بين الهيئات والمراكز الوطنية البحثية، والشراكات القوية بين المؤسسات والجامعات والشركات الناشئة، سيحقق الاستثمار المثمر في ابتكارات الطاقة النظيفة "الخضراء" وينوع مصادر الدخل، ما يؤدي إلى الاستدامة في النمو الاقتصادي والتقني على جميع المستويات.