التسويق الزراعي .. المشكلة والحلول «2 من 2»

تم التطرق لأهمية المواد الغذائية للحياة وتوافرها في متناول المستهلكين، وأن ذلك لا يتأتى إلا بوجود منتج مزارع ومصنع وناقل وموزع لهذه المنتجات، حتى تصل إلى المستهلك النهائي وبيان ما يعانيه المزارع أو المنتج من صعوبات في إيصال منتجاته بجودة وسعر مجد له ومرض للمستهلك جراء طول وضعف سلسلة الإمداد وفي كثير من المناطق وبيان أن وضع المملكة يختلف عن كثير من الدول جراء كبر مساحتها واختلاف تضاريسها وبيئاتها وتشخيص المشكلة التسويقية للمنتجات أنها تكمن في جميع أطراف سلسلة الإمداد، بدءا بالمزارع والناقل والمسوق أو الدلال والموزع وتاجر التجزئة والمستهلك كذلك.
وكي نقدم حلولا عملية قابلة للتطبيق، علينا أولا أن ندرك أن التسويق يجب أن يقود الإنتاج للسلع ومنها المنتجات الزراعية أو الخدمات، وليس التسويق يأتي تبعا للإنتاج ‏فيدرك المزارع ما المطلوب أن ينتج من المنتجات نوعا وكما وكيفا فلا يغرق الأسواق بمنتجات غير مطلوبة ويتماشى مع رغبات المستهلك النهائي في حجم العبوات المطلوبة وطريقة التعبئة الأكثر جدوى للمستهلك التي تطيل عمر المنتج أثناء تخزينه لها والحل لهذه المشكلة لا بد من رفع كفاءة الزراعة والمزارع على حد سواء في إعادة النظر في الترخيص والسجلات الزراعية، حيث يلزم المزارع بإنتاج الأصناف المسموح له بإنتاجها وترى الجهة المختصة حاجة الأسواق إليها ويكون الإنتاج بالجودة المطلوبة.
إلزام المشاريع ذات الإنتاج الكبير بتضمين مشاريعهم طرقا حديثة وآلية للحصاد والتنظيف والنقل وضرورة توافر مكائن تدريج وفرز بالمشاريع ووسائل حفظ مبردة لمنتجاتهم قبل الترخيص للمشروع، وتحسين أوضاع المزارع القائمة على هذا النحو مع تقديم الدعم الكافي لهم لتكامل الخدمات في مزارعهم وذلك لأن المشاريع الكبيرة مثل الشركات الزراعية الكبيرة لا تعاني في الأغلب المشكلات التسويقية لمنتجاتها، مثل المزارع الفرد وذلك لتكامل البنية التحتية اللازمة لتداول منتجاتها بها ولنجاحهم بهذا التكامل من تخطي أسواق الجملة والأسواق التقليدية والوصول للمستهلك النهائي بسلاسل إمداد مختصرة، أما المزارع المتوسط والصغير فيحتاج إلى توفير مثل هذه الخدمات له إضافة لحاجته إلى رفع كفاءته في اختيار الأصناف المطلوبة للإنتاج وتوفير التقاوي المطلوبة والمحسنة محليا بدلا من استيرادها والحصول على مزيد من الخدمات الإرشادية بطرق الإنتاج والحصاد والتداول الصحيح، إذا نظرنا إلى واقع المزارع والمزارعين حاليا في المملكة فإنها جراء الدعم السخي الذي قدمته الدولة. وأصبحت الزراعة لدينا غير تقليدية، بل صناعة زراعية تستخدم أحدث التقنيات في الري والبذر والرعاية والحصاد من حيث البنية التحتية للإنتاج، لكن إدارة هذه المرافق الزراعية لا تخلو من خلل كبير وتدن في مستوى العمالة التي يتم استقدامها من دول لم تعهد مثل هذه المشاريع وأصبحت الحاجة إلى رفع كفاءة هذه المزارع، ضرورية في أهمية اختيار الأصناف والتقاوي الصحيحة المطلوبة في الأسواق وطرق وكميات التسميد والمكافحة الصحيحة وإدراك أهمية الزراعة لما هو مطلوب وأين، وبالشكل والقدر المطلوب، وفي الزمن المطلوب لتفادي إغراق الأسواق بمنتجات إما غير مطلوبة أو تكديسها في مناطق دون غيرها، وعلى إدارة هذه المشاريع مسؤولية تعيين كفاءات مناسبة أو رفع كفاءة العاملين لديهم بالتدريب على رأس العمل مع التواصل الجيد الفعال للجهات المعنية بمراقبة العرض والطلب وحركة المنتجات الزراعية والتركيز في رفع الكفاءة في طريقة القطف والحصاد الصحيح للمنتجات وإعدادها للتسويق بالتنظيف والفرز والتدريج حسب الجودة والألوان، والأوزان وتجفيف لبعض المنتجات التي تحتاج إلى تجفيف والتشميع لبعضها، ما يطيل أمد صلاحيتها وتغليفها وتخزينها في طبليات، كي يسهل نقلها مع الالتزام بشروط المواصفات المطلوبة فيما يعرف ببطاقة البيانات التي تبين نوع المنتج ووزنه وتاريخ ومكان إنتاجه وتاريخ صلاحيته . ومما يساعد على حل مشكلة التسويق الزراعي صناعة العلامات التجارية للمنتجات في السعودية، فيكون لدينا علامات تجارية عامة أو خاصة أو بهما معا مثل علامة للتمور أو المنجا أو الزيتون أو الحبحب، فمن يصدق أنه (بطيخ ساجر مثلا) أصبح علامة تجارية فرضت نفسها مصادفة ودون تخطيط داخل وخارج المملكة، وفرضت جودتها ولا أحد يتبناها حتى الآن، كذلك (حلوة الجوف) فرضت نفسها وبرحي القصيم وغيرها مما تعارف المجتمع على تسميتها، رمزا للجودة فالعلامة التجارية تسوق المنتجات خاصة إذا التزمت بالمواصفات وتم إشهارها بطرق واسعة ووسائط فعالة ومن الحلول العملية أيضا للمساهمة على حل مشكلة التسويق الزراعة التعاقدية، حيث يتعاقد متجر من الأسواق المركزية أو مصنع للأغذية مع المزارعين بتوريد أصناف معينة بمواصفات محددة مثل ما عملت شركة نادك مثلا مع بطاطس ليز وأصبح إنتاجها من البطاطس لدعم إنتاج هذا المنتج، ومثل ذلك، يمكن للمزارعين التعاقد مع أصحاب الأسواق المركزية والمطاعم والفنادق ومتعهدي الإعاشة وزراعة منتجات خاصة بهم ووفق طلبهم.
كذلك التوسع في إنشاء شركات خاصة بالتسويق، وتمتلك هذه الشركات خدمات لا تتوافر لدى المزارع مثل النقل والمخازن، المبردة وربما مراكز لإعادة تعبئة وسيارات للتوزيع داخل وخارج المدن، وكما سبق ذكر أن المملكة تشغل مساحة واسعة ومتعددة مناطق الإنتاج بها ومتباين الميزة النسبية والبيئة من الاستوائية وشبه الاستوائية والمدارية وإمكانات هائلة للإنتاج ومنتجات متعددة ومتنوعة - ولله الحمد - وهذا مما أفاء الله به على هذه البلاد ونتيجة تضافر وتراكم جهود رجال مخلصين من قاعدتها وأبنائها وتحولت هذه الصحراء إلى مناطق زراعية شاسعة تبلغ نحو 750 ألف هكتار وتنتج 3.2 مليون طن من الخضار ونحو 2.5 مليون طن من الفواكه بما فيها التمور وحققت المملكة - ولله الحمد - نسبة اكتفاء ذاتي متقدمة في كثير من المنتجات فحققت 91 في المائة من البطاطس 98 في المائة من البطيخ 80 في المائة من الشمام 100 في المائة من الخيار 111في المائة من التمور والبيض 98 في المائة من الكوسا 100 في المائة من الباذنجان.
إننا عندما نحاول معالجة مشكلة التسويق فإننا نحاول معالجة وفرة إنتاج محلي، وليس ندرة منتجات، وهذا من فضل الله علينا في هذه البلاد وهي نعمة تستحق الشكر، ومن شكرها أن نتداولها بالشكل اللائق بها كنعمة، ولخفض الفاقد منها جراء التداول غير الجيد، كما أن الحلول المقترحة حقيقة تمثل فرصا تجارية لقطاع الخدمات، واللوجيستك مثل خدمات النقل والتخزين المبرد ومناطق التعبئة والتغليف، وخدمات توزيع المنتجات متاحة ومجدية ومجربة في دول عديدة. إن إنشاء شركات تسويقية، في المناطق تنبثق من اللجان الزراعية بالغرف التجارية الصناعية التي توجد في كل منطقة إدارية، بل يوجد أكثر من غرفة في بعض المناطق وهي تمثل تجمع رجال الأعمال والمستثمرين فلو تمكن رجال الأعمال في كل غرفة من إنشاء شركة تسويقية للمنتجات الزراعية تهدف إلى تغطية احتياجات المنطقة نفسها ونقل الفائض لمنافذ التسويق واحتواء مزراعي المنطقة وحل ما يواجههم من عقبات لأمكن حل نسبة كبيرة من هذا الإنتاج الكبير الذي يستوعب قيام عشرات الشركات التسويقية وأمكن رفع كفاءة الاستثمار الزراعي، حيث سجل الناتج الزراعي في السعودية خلال عام 2019 معدل نمو 2.3 في المائة وبلغ حجم القطاع نحو 61.4 مليار ريال ولا شك أن هذا الناتج في ازدياد مع ازدياد معدل نمو السكان البالغ 2.2 في المائة سنويا.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي