أمريكا واستبعاد روسيا من نظام المدفوعات الدولي «2 من 2»

يقول البعض: إنه كان من الخطأ الانسحاب لأن ذلك أرسل رسالة إلى أعداء أمريكا، مفادها أن الولايات المتحدة كانت نمرا من ورق. وهذه هي العبرة السيئة. والواقع أنه كان ينبغي على الرئيس الأمريكي، رونالد ريجان، أن ينسحب بهدوء بمجرد اكتمال المهمة الأصلية. وعلى غرار كيسنجر، حيث كان قلقا من أن يؤدي ذلك إلى الإضرار بمصداقية أمريكا. فحتى بعد التفجير، كرر تعهده بالإبقاء على القوات الأمريكية في لبنان. لكن كما حدث في فيتنام وأفغانستان، لم يؤد ذلك إلا إلى تفاقم الضرر الذي يلحق بالسمعة نتيجة الانسحاب في وقت لاحق.
إن الدرس واضح: يجب على الولايات المتحدة أن تضمن أن أي إعلان عن استعدادها لاستخدام القوة العسكرية يتوافق مع ما يمكن أن تقدمه بالفعل بصفتها القائد. وهذا يعني أكثر من عدم المبالغة في التزام المرء. كما أن النقصان في الالتزامات من شأنه أن يكون خطأ استراتيجيا. فعلى أي حال، يمكن أن يكون التهديد الموثوق به من قوة عسكرية مثل الولايات المتحدة بمنزلة رادع قوي.
وأخفقت الولايات المتحدة، في بعض الأحيان، في الاستفادة من هذا الواقع. إذ في 12 كانون الثاني (يناير) 1950، حدد دين أتشسون، وزير الخارجية، محيط الدفاع الأمريكي في آسيا، لكنه لم يشمل شبه الجزيرة الكورية. وبعد ستة أشهر، غزت كوريا الشمالية كوريا الجنوبية، واضطلعت الولايات المتحدة بقيادة الأمم المتحدة للدفاع عن البلاد. وأعادت تلك القيادة في نهاية المطاف الخط الفاصل بين شبه الجزيرة، لكن ذلك حدث بعد ثلاثة أعوام من القتال وسقوط أكثر من 1.7 مليون ضحية. ورغم أن من المستحيل معرفة ما إذا كان التهديد الموثوق بتدخل الولايات المتحدة سيجنب الغزو، يبدو من غير المحتمل أن هذا التهديد لم يكن ليؤثر في حسابات كوريا الشمالية.
والشيء نفسه ينطبق على قرار الرئيس العراقي، صدام حسين، بغزو الكويت في آب (أغسطس) 1990. إذ قبل أيام قليلة من الغزو، وتجمع القوات العراقية بالفعل على الحدود، أرسلت الولايات المتحدة إشارات بأنها لن ترد عسكريا.
ومن المؤكد أنه بعد ثلاثة أيام من الغزو، أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش الأب قائلا، "لن يصمد هذا الغزو". وفي كانون الثاني (يناير) 1991، بعد سلسلة من المفاوضات الفاشلة مع العراق، وفت الولايات المتحدة بهذا التعهد، حيث قادت تحالفا يضم 35 دولة في هجوم عسكري واسع النطاق دفع قوات صدام للخروج من الكويت في غضون أسابيع. لكن لو تلقى صدام مزيدا من التحذيرات مسبقا، لربما امتنع عن إرسالها أصلا.
وحدث تدخل أمريكي ناجح تميز بالتماسك بين القول والفعل عام 1999. إذ طالب الرئيس بيل كلينتون، سلوبودان ميلوسيفيتش، زعيم يوغوسلافيا، بسحب قوات الأمن الصربية من كوسوفو. وعندما رفض، شن حلف الناتو حملة قصف. فوافقت القوات الصربية على الانسحاب، وأجبر الشعب الصربي ميلوسيفيتش على ترك منصبه في العام التالي.
وخلال الحرب الباردة، رأى الرئيس الأمريكي، ريتشارد نيكسون، فوائد في أن ينظر إليه على أنه زعيم غير عقلاني ومتقلب، في محاولة لردع أي استفزازات. لكن ما يسمى نظرية الرجل المجنون لها حدود صارمة، خاصة بالنسبة لدولة مهيمنة وحلفائها. ومن المرجح أن يؤدي ضمان الاتساق بين الإشارات والإجراءات إلى ردع الصراع بوسائل ليس أقلها تعزيز المصداقية على المدى الطويل.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2021.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي