استدامة الغذاء

تسعى الدول لهدف الاكتفاء الذاتي في الغذاء بمواردها المحلية ما أمكن ذلك وإن كان يستحيل أن تجد نسبة اكتفاء ذاتي 100 في المائة في كل احتياجات أي بلد من كل أصناف الغذاء من المآكل والمشارب، إنما الاكتفاء الحقيقي يكون في العناصر الأساسية للغذاء التي لا تقوم الحياة بصورة صحية إلا بها. وتعرف جمعية الصحة العامة الأمريكية "أيه بي إتش أيه" النظام الغذائي المستدام بأنه: نظام يوفر الغذاء الصحي لتلبية الاحتياجات الغذائية الحالية، مع الحفاظ على النظم البيئية الصحية التي يمكنها أيضا توفير الغذاء لأجيال مقبلة مع الحد الأدنى من التأثير السلبي على البيئة. أما منظمة الأغذية والزراعة "الفاو" فلديها رؤية لاستدامة الغذاء مفادها بأنه: عالم تكون فيه الأغذية مغذية ومتاحة للجميع، وتتم فيه إدارة الموارد الطبيعية بطريقة تحافظ على وظائف النظم الإيكولوجية لدعم احتياجات الإنسان في الحاضر والمستقبل.
إن الموارد الطبيعية تختلف في وفرتها من بلد إلى آخر، فإن معظم الأنظمة الغذائية والزراعية تسعى دائما للانتقال للأكثر استدامة لتغذية وصحة المواطنين والمقيمين. وهذا يتطلب أن يكون العمل بشكل مؤطر ووفق استراتيجيات طموحة ومرنة، وتكون بيئة العمل في مرافق الإنتاج تحفيزية وتعاونية، مع التركيز على التطوير والتعليم والإرشاد واستخدام أحدث التقنيات في الآليات والتحسين الوراثي، وكذلك القيادة الفكرية المواكبة لكل جديد في الإدارة.
لطالما كانت الاستدامة كلمة رنانة لأعوام حتى الآن، لكن لم تشهد الزراعة والصناعة من قبل مثل هذا القدر من التركيز حول الحركة والسعي لجعل التنمية في هذه الجوانب أكثر استقرارا ونموا لينعكس عموما على اقتصاد نام ومستمر ينعم أصحابه بالطمأنينة وبعيد عن المفاجآت. لقد تم تركيز الإدارات في القطاعات العام والخاص والحرفي والمنظم وفي الشركات والأفراد للاعتياد على أكبر قدر من المرونة لضمان تدفق الإنتاج، إن عام 2020 - 2021 كان هو المعلم الذي أجبرت الأزمة كل مرافق الإنتاج ذات الاستدامة على خوض التجربة العملية للإنتاج والتوزيع في كل الظروف من أجل الناس والكوكب وصحة الشركات نفسها كي ترى الزراعة والصناعة الانتقال إلى الأنظمة المستدامة فرصا استثمارية ملزمة وليس عملا روتينيا.
لا بد أن يدرك كل منتج ومتعامل مع منتج غذائي أو صناعي، مزرعة أو مصنعا أو حتى موردا أن هناك مجموعة واسعة من الخطوات التي عليه اتخاذها لاستدامة عمله وضمان تدفق منتجه للأسواق في ظل الأوقات والظروف وتشخيص مواطن الضعف في سلسلة إمداده سواء لما يحتاج إليه من المواد الأولية أو أثناء التشغيل أو لتسويق منتجاته والعمل الجاد على مواجهة هذه الصعوبات وتذليلها وتشخيصها بدقة وبيان المقترحات الأمثل لحلها والتواصل الفعال مع الجهات المعنية بها لتذليل هذه الصعوبات. نظرا لأن هذا الأمر الخلل فيه متعد للمجتمعات والمستهلكين من أوجه عديدة، واستقرار تدفق المنتجات واستدامتها فيه استدامة لضمان الوفرة لهذه المنتجات وأمان وظيفي للعاملين فيها واستقرار لقطاع الخدمات القائم على وجودها والتدفقات المالية التي تغذي جوانب الاقتصاد المتعددة جراءها.
وفي مجالنا الزراعي هناك خمسة مبادئ للاستدامة جديرة بالذكر: الأول، أن الإنتاج الزراعي هو تحويل الموارد الطبيعية إلى منتجات من أجل فائدة بشرية. تتطلب هذه العملية إدارة ومعرفة وتقنيات والمدخلات الخارجية، مع تباين كبير في أهميتها النسبية ومزيجها عبر أنظمة الإنتاج ومناطق العالم. مستوى ومزيج المدخلات، ونوع التقنيات وأنظمة الإدارة المستخدمة، لها آثار كبيرة في مستوى الإنتاجية وكذلك تأثير الإنتاج في الموارد الطبيعية والبيئة.
مثل الزراعة المكثفة والتوسع الرأسي فيها يعد نقلة نوعية من أنظمة الزراعة التقليدية، علم الوراثة والكيمياء والهندسة على المحاصيل التي أدت تقنيات الثورة الخضراء إلى زيادات كبيرة في الإنتاج كما ونوعا، مع توفير الموارد المائية والتربة.
ثانيا: تحسين كفاءة استخدام الموارد في الوقت الذي يساعد في تقليل الضغط على النظم البيئية والموارد الطبيعية، فإنه يزيد أيضا الربحية من أوجه عدة، يمكن أن تؤدي بدورها إلى التوسع في الإنتاج.
ثالثا: التنمية الزراعية، بحكم تعريفها غير مستدامة إذا لم تنجح في إفادة هؤلاء الذين يعتمد نجاح مشاريعهم ودخلهم وسبل دخلهم وعيشهم عليها من خلال زيادة وصولهم إلى الموارد والأصول، ومشاركتهم في الأسواق وفرص عملهم.
السيطرة والحد والحماية على الموارد، مثل الأراضي والمياه والغابات والموارد السمكية. غالبا ما تؤدي حقوق الحيازة غير الملائمة وغير المضمونة للموارد الطبيعية إلى خطر النفاد للموارد الغذائية والفقر والمجاعات. إضافة إلى ذلك، غالبا ما تؤدي الحيازة الآمنة لهذه الموارد إلى تعزيز الاستثمار من قبل المزارعين، وزيادة الغلات والحد من تدهور التربة.
رابعا: ظهرت المرونة كعامل رئيس في الاستدامة. حيث يتم تعريفها على أنها قدرة النظام والأجزاء المكونة له على توقع واستيعاب واسترداد تدفق المنتجات من أي أثر لحدث مؤثر في الوقت المناسب وبطريقة فعالة، من خلال ضمان الحفاظ على الهياكل الأساسية وترميمها أو تحسينها بما يضمن بقاءها فعالة. إن ظواهر مثل تقلب المناخ، والظواهر الجوية الشديدة وتقلبات الأسواق، وكذلك الحروب والجوائح المرضية وعدم الاستقرار السياسي، تضعف الإنتاجية والاستقرار من الزراعة، ما يؤدي بدوره إلى زيادة عدم اليقين والمخاطر بالنسبة للمنتجين.
خامسا: الحوكمة الرشيدة ضرورية لضمان التوازن والإنصاف ومنظور طويل الأجل لحماية المصالح المجتمعية والموارد الطبيعية على حد سواء. فعندما تهيمن الاهتمامات البيئية المجردة على عمليات الاستدامة دون الاهتمام الكافي الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية، فمن غير المرجح أن يتم النجاح في تنفيذها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي