السعودية تمنح حملة صكوكها أعلى عائد منذ 23 شهر

السعودية تمنح حملة صكوكها أعلى عائد منذ 23 شهر

دشن إصدار شباط (فبراير) من الصكوك السعودية الحكومية بداية مرحلة ارتفاع عوائد الإصدارات الحكومية عن المعدلات المتوسطة التاريخية، في ظل عوامل تسعيرية خارجة عن الإرادة في السوق الثانوية، وتسرب أثر ارتفاع عوائد سندات الخزانة الأمريكية إلى سوق الدين السعودية.
ومنحت السعودية مستثمريها المحليين أعلى عائد منذ 23 شهرا على صكوك ذات أجل 12 عاما، وسط تباين أداء أوراقها المالية المدرجة في سوق الدين المحلية وانعكاسات حركة الفائدة لعوائد سندات الخزانة الأمريكية التي يسترشد بها المستثمرون، بحكم ربط العملة بالدولار.
ووفقا لوثيقة الإصدار، رفعت السعودية "العائد حتى تاريخ الاستحقاق" على صكوك الـ12 عاما إلى 3.23 في المائة مع طرح هذا الشهر، من 3.12 في المائة في المزاد الشهري لكانون الثاني (يناير) 2022، وذلك بسبب حركة تلك الورقة المالية في السوق الثانوية المحلية إبان فترة الطرح.
وآخر مرة منحت السعودية المستثمرين عائدا مرتفعا على شريحة طويلة الأجل بلغ 3.68 في المائة على أجل استحقاق 15 عاما كان في مارس 2020، وفقا للبيانات التاريخية لوحدة التقارير في صحيفة "الاقتصادية".
وباعت الرياض في الساعات الماضية صكوكا ادخارية بـ13.17 مليار ريال، في مزاد ناجح، بفضل قوة الطلب المحلي المدعوم بفائض السيولة في النظام المالي.
وعلمت "الاقتصادية" بأن المستثمرين اشتروا خلال المزاد جميع وحدات الصكوك المطروحة لأجل ثمانية أعوام بعائد 2.93 في المائة وكذلك استحقاق 12 عاما، وكلاهما إعادة فتح لإصدارات سابقة، في علامة على حرص مستثمري أدوات الدخل الثابت على الحصول على جزء من تلك الأوراق المالية ذات الجدارة الائتمانية العالية.
وتمكن المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، من تسعير شريحتي الإصدار داخل القيمة العادلة لمنحنى العائد للإصدارات الحكومية المقومة بالريال، في مؤشر على نجاح استراتيجية التسعير المتبعة مع الإصدار الشهري، وذلك على الرغم من تحديات ظروف السوق.
ووفقا لبيانات منصة "آي إتش إس مارك" للتحليلات والبيانات المالية، فإن القيمة العادلة للصكوك الثمانية، بحسب منحنى العائد الحكومي القائم، بلغ 3.01 في المائة، إلا أن العائد حتى تاريخ الاستحقاق الممنوح للمستثمرين كان أدنى من هذه المستويات.
وبشكل عام تعني المؤشرات الحالية للإصدارات الشهرية التي تم إغلاقها في الفترة الماضية، أن الإصدارات الحكومية قد توقفت حاليا عن تسجيل انخفاضات قياسية في عوائدها وابتدأت مسيرة التصاعد التدريجي في التوزيعات الدورية، بسبب ظروف السوق وربط العملة المحلية بالدولار، الأمر الذي يزيد من جاذبيتها ويوسع دائرة المستثمرين فيها، حيث يسعى المستثمرون المحليون تجاه العوائد المرتفعة والملاذات الآمنة في الوقت نفسه.
وأظهر رصد وحدة التقارير في "الاقتصادية"، أنه عند مقارنة شرائح آجال الاستحقاق التي أصدرتها السعودية هذا الشهر مع أقرب نظيرتها من سندات الخزانة الأمريكية، فإنه يتضح أن الأخيرة حققت ارتفاعا قياسيا في عوائدها منذ بداية العام مقارنة بنظيرتها للسعودية التي صعدت هي الأخرى.
وصعد العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام ولأجل سبعة أعوام بمعدل متوسط بلغ 33 نقطة أساس، وقابل ذلك صعود بأقل من ذلك لصكوك الـ12 عاما للسعودية ونظيرتها لأجل ثمانية أعوام، وذلك بمعدل متوسط بلغ 30 نقطة أساس، مقارنة بما كان عليه العائد حتى تاريخ الاستحقاق أوائل يناير من العام الحالي.
وفي الساعات الماضية، قفز العائد على سندات الخزانة الأمريكية لأجل عشرة أعوام إلى أعلى مستوى منذ أغسطس 2019.
ورفع "جولدمان ساكس" توقعاته لعوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل عامين للمرة الثانية هذا العام، ما يعكس إعادة تقييم المستثمرين لتوقعات رفع الفائدة الأمريكية.
ويرى خبراء البنك الاستثماري الأمريكي أن عوائد سندات الخزانة لأجل عشرة أعوام سترتفع إلى 2.25 في المائة، بعدما أبقوا على توقعاتهم خلال يناير الماضي عند 2 في المائة.
وأشار خبراء "جولدمان ساكس" إلى أن هذا التغيير في التوقعات جاء على خلفية الأوضاع الاقتصادية والتحول الأكثر تشددا للبنك الاحتياطي الفيدرالي.

الطرح المحلي

ذكرت وزارة المالية في بيان أن المركز الوطني لإدارة الدين انتهى من استقبال طلبات المستثمرين على إصداره المحلي لفبراير 2022 ضمن برنامج صكوك حكومة السعودية بالريال، حيث تم تحديد حجم الإصدار بمبلغ إجمالي قدره 13.178 مليار ريال.
وبحسب البيان الصادر من المركز، قسمت الإصدارات إلى شريحتين، بلغ حجم الأولى 7.528 مليار ريال لصكوك تستحق في 2030، وبلغت الشريحة الثانية 5.650 مليار ريال لصكوك تستحق في 2034.

توزيع فترات خدمة الدين

دائما ما يولي "المركز الوطني لإدارة الدين" أهمية بارزة لمسألة اختيار آجال الاستحقاق المناسبة مع الطروحات الجديدة، ويرجع سبب ذلك لتوزيع استحقاقات المديونية "خدمة الدين" وتجنب تمركزها في أعوام محددة.
ويسهم توزيع فترات خدمة الدين عبر عدد طويل من الأعوام، في عدم إحداث ضغط على خزانة الدولة عندما يحين أجل سداد عدد ضخم من أدوات الدين خلال عام مالي معين.
ومعلوم أنه من مكتسبات أسواق الدين السعودية في 2019 كان تمكن المركز الوطني لإدارة الدين، بالنيابة عن وزارة المالية، من تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
وفي ظل انخفاض أسعار الفائدة في السوق المحلية، أصبح التشبث بالإصدارات طويلة الأجل جزءا من السياسة الاستثمارية لبعض المستثمرين، وتجلى ذلك في عمليات التخصيص الشهرية التي تميل كفتها نحو الاستحقاقات طويلة الأجل.
وقدم "المركز الوطني لإدارة الدين العام" تلك الآجال الطويلة للمرة الأولى في 2019 بغرض إطالة منحنى العائد الخاص بالإصدارات الحكومية المقومة بالريال، وكذلك لغرض تنويع خيارات مستثمري الدخل الثابت في المملكة.

تراجع متوقع للدين العام

تستهدف السعودية استقرار الدين العام خلال الأعوام الثلاثة المقبلة بدءا من ميزانية 2022، استكمالا لجهود الحكومة في تعزيز كفاءة الإنفاق وتحقيق مستهدفات الانضباط المالي.
وبحسب رصد "الاقتصادية"، الذي استند إلى بيانات وزارة المالية، فإن الوزارة تتوقع بلوغ الدين العام نحو 938 مليار ريال في ميزانية 2022، مقارنة بدين 938 مليارا متوقعا في ميزانية 2021، وذلك نتيجة لتحقيق فوائض مالية في ميزانية 2022.
وبذلك يتراجع معدل الدين للناتج المحلي للعام الثاني على التوالي، حيث من المتوقع بلوغه 25.9 في المائة في ميزانية 2022 بعدما بلغ 29.2 في المائة كما في الميزانية الفعلية لـ2021، وذلك يعود إلى توقعات بنمو الناتج المحلي.
وتوقعت وزارة المالية أن يستقر حجم الدين العام لميزانية 2022 و2023 و2024 عند 938 مليار ريال، مقارنة بتقديرات سابقة عند 989 مليار ريال للأعوام الثلاثة.
في حين سجل الدين ارتفاعا بنحو 9.8 في المائة لـ2021 بحسب الأرقام الفعلية للميزانية، وهي أقل معدلات النمو في آخر سبعة أعوام.
ويأتي استقرار الدين للأعوام الثلاثة المقبلة بعد نموه لسبعة أعوام متتالية، أي منذ 2015، حيث سجل حينها أول ارتفاع بعد عدة أعوام عاشتها الميزانية في تقليص الدين العام.
وتهدف السياسة المالية في السعودية إلى تحقيق التوازن بين أهداف الحفاظ على الاستقرار المالي وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام ومساندة مرحلة التحول الاقتصادي والاجتماعي التي تمر بها السعودية، وفقا لرؤية السعودية 2030.
وتستهدف الحكومة السعودية خلال العام المالي 2022 استكمال مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي أجرتها منذ رؤية السعودية 2030.
في حين يستمر تطوير المالية العامة من خلال تحقيق أهداف برنامج الاستدامة المالية الذي يسعى إلى استكمال العمل على المبادرات التي بدأها برنامج تحقيق التوازن المالي إضافة إلى تبني السياسات المالية التي تسهم في تحقيق الاستقرار في ميزانية الدولة ورفع جودة التخطيط.
كما تستمر جهود الحكومة في رفع كفاءة الإنفاق وتعزيز دور القطاع الخاص من خلال زيادة مشاركة الصناديق الحكومية في الإنفاق الرأسمالي كصندوق الاستثمارات العامة الذي يعد المحرك الفاعل لتنمية وتنويع الاقتصاد السعودي.

المزاد الهولندي

منذ تموز (يوليو) 2018 تم استخدام منهجية المزاد، التي يرى صندوق النقد أنها ستضفي درجة من المرونة على آليات تسعير الإصدارات المحلية الجديدة.
وشهد إصدار تموز (يوليو) 2018 "الإصدار السابع" تطبيق تلك المنهجية لأول مرة مع أدوات الدين في المملكة، حيث تستخدم السعودية "المزاد الهولندي" وهو المزاد نفسه الذي تستعمله الخزانة الأمريكية عندما تبيع سنداتها.
وبالاستعانة بأحد منتجات "بلومبيرج" الخاصة بالمزاد، تم منح المتعاملين الأوليين "سعر سقف محدد" لا يستطيعون التسعير فوقه، بحيث يكون "التسعير النهائي" على "المستوى نفسه" سقف التسعير أو "دونه"، وتم الطلب من المتعاملين الأوليين أن يقدموا طلبات الاكتتاب الخاصة بهم، وكذلك الخاصة بعملائهم.
وآلية المزاد هذه تختلف عن المنهجية التسعيرية، التي كانت تستخدم في السابق، وتدور حول تحديد نطاق تسعيري معين "أي حد أعلى وحد متوسط وآخر أدنى"، والطلب منهم التسعير بين هذا النطاق، ثم يتم تحديد السعر النهائي من قبل جهة الإصدار.

منحنى العائد

يعرف منحنى العائد بأنه خط يحدد الفائدة على أدوات الدين في وقت بعينه تمتلك فيه جهة الإصدار جدارة ائتمانية متوازنة، لكنها متباينة من حيث الاستحقاق، حيث يكون هناك على سبيل المثال فارق فائدة بين الصكوك والسندات لأجل خمسة أعوام ولأجل 30 عاما.
ويتخذ منحنى العائد عادة اتجاها صعوديا وهو المنحنى الطبيعي، لكن عندما ينقلب يكون العائد على السندات الأقصر أجلا أعلى من العائد على نظيراتها الأطول أجلا.
وتحظى السعودية بمنحنى عائد طبيعي، سواء مع إصداراتها المقومة بالعملة المحلية أو "الصعبة"، ونجحت السعودية منذ 2019 في تمديد آجال استحقاقات الصكوك في السوق المحلية عبر إصدارات جديدة تشمل 12 و15 و30 عاما، وذلك لاستكمال منحنى العائد خالي المخاطر، ما يسهم في دعم مختلف الأسواق شاملة أسواق الدين العقارية.
والأمر نفسه كررته في 2020 عندما شهد إصدارها الدولاري استحقاقات بأجل سبعة أعوام والـ12 عاما، ولأول مرة شريحة الـ35 عاما، التي أتت جميعها خلال فترات استحقاق متباعدة، مساهمة في الوقت نفسة في إطالة أجل تلك الاستحقاقات، وفقا لسياسة إدارة الدين العام للدولة.
ويستعين العاملون بأسواق الدخل الثابت بمقياس العائد حتى تاريخ الاستحقاق، من أجل حساب العائد المستقبلي لأداة الدين، وذلك في حال الاحتفاظ بها إلى أن يحين أجل إطفائها.
ويحدد هذا المقياس مدى جدوى الاستثمار من عدمه، ويكثر استخدام هذا المؤشر بين المستثمرين من أجل إجراء مقارنات بين العوائد السنوية لأدوات الدين، بغض النظر عن آجال استحقاقاتها.

مشاركة الأفراد

من المنتظر أن يدعم إصدار الشهر الحالي مخزون الصكوك الادخارية المتوافرة لاستثمارات الأفراد في السوق الثانوية. وجاء قرار تفعيل تخفيض القيمة الاسمية للصكوك الحكومية المدرجة لتكون في متناول الأفراد، وذلك ابتداء من حزيران (يونيو) 2019 ليعني أن السعودية فتحت المجال أمام مواطنيها للمشاركة في دعم المشاريع التنموية في البلاد، في خطوة تقدمية تتماشى مع كثير من الدول حول العالم، التي تتبع هذا النهج.
وأسهمت الإصلاحات الاقتصادية، التي عمت أسواق الدخل الثابت في المملكة في جعل مسألة استثمار الأفراد في الصكوك أمرا ممكنا بعد أن تم تخفيض القيمة الاسمية للصك إلى ألف ريال مقارنة بمليون ريال سابقا.

استحقاقات 2022

أعلنت السعودية، ممثلة في وزارة المالية في أواخر أكتوبر 2021 اكتمال عملية شراء مبكر لجزء من سندات وصكوك المصدر القائمة المستحقة في أغسطس وسبتمبر وأكتوبر ونوفمبر وديسمبر من 2022 بقيمة إجمالية وصلت الى 32.9 مليار ريال. حيث تمكنت السعودية خلال تلك الفترة من إعادة تمويل 43.5 في المائة من ديونها التي يحين موعد سدادها في 2022.
ويحل في 2022 أجل استحقاق لديون محلية تقدر بـ57.4 مليار ريال، غير أن جهة الإصدار السيادية فضلت انتهاز ظروف السوق الموائمة في 2021 وقررت إعادة تمويل 32.9 مليار ريال من مبلغ الـ57.4 مليار ريال.
وأظهر رصد "الاقتصادية" أن الديون المحلية التي يحين أجل استحقاقها في 2022 انخفضت بعد عملية الشراء المبكر الثانية من 57.4 مليار ريال إلى 24.4 مليار ريال من ضمنها صكوك خمسية أواخر يوليو بقيمة 12 مليار ريال، وفقا لمنصة "سي بوندز" للبيانات المالية.
ويحل في 2022 أجل استحقاق يقدر بـ18.1 مليار ريال لسداد أصل الديون الدولية، منها استحقاق أبريل الذي بموجبه سيتم سداد رأس المال والأرباح المتبقية لصكوك دولارية خمسية بعائد 2.89 في المائة تم إصدارها بقيمة 4.5 مليار دولار تعادل 16.8 مليار ريال.
واستندت "الاقتصادية" في مواعيد آجال الاستحقاق إلى البيانات التي حصلت عليها من منصة "فاكتست للخدمات المالية، ولدى "فاكتست" واحدة من أشهر منصات التحليلات المالية التي يستعين بها المجتمع الاستثماري العالمي، من أجل تقييم الأوراق المالية وبناء القرار الاستثماري.

وحدة التقارير الاقتصادية

الأكثر قراءة