الرافعة المالية في العقار مفيدة ومضرة
الرافعة المالية من الاستراتيجيات المالية المهمة التي تستخدم في الأسواق المالية لمضاعفة الأصول والأرباح خصوصا في مرحلة انتعاش ونمو الأسواق المالية. ويستخدمها المستثمرون أو الأفراد لزيادة حجم إجمالي الأصول من خلال تمويل هذه الزيادة بشكل رئيسي من الدين مقارنة برأس المال. وتحقق هذه الاستراتيجية أهدافها ما دامت عوائدها تغطي تكاليف التمويل.
يتم تحديد نسبة الرفع المالي في العقار من خلال تحديد نسبة الحد الأقصى للتمويل العقاري Loan-to-Value Ratio، فتتحدد نسبة الدفعة المقدمة وتتحدد معها نسبة الرافعة المالية للأفراد Leverage Ratio، حيث تساوي 1 على نسبة الدفعة المقدمة.
وهذه النسبة تلعب دورا مهما في المحافظة على الاستقرار المالي وتفادي الوقوع في الأزمات المالية خصوصا بعد سياسات تسهيل الائتمان، التي يقوم بها الآن كثير من البنوك المركزية في دول العالم لتفادي الآثار السلبية لجائحة كورونا وللمحافظة على المكتسبات التي تم تحقيقها في مستويات التوظيف وفي استثمارات القطاع الخاص. فسياسات تسهيل الائتمان وتخفيض تكلفة التمويلات البنكية خصوصا التمويلات العقارية منها، أسهمت في ارتفاع أسعار العقارات السكنية عالميا خلال الفترة نفسها إلى مستويات تجاوزت 10 في المائة.
كيف تحسب نسبة الرفع المالي للأفراد في الأسواق العقارية؟ عندما يشتري شخص عقارا، فإجمالي الأصول أو قيمة العقار يتم تمويلها من مصدرين رئيسين: رأس المال والخصوم "الديون". كما هو الحال في قائمة المركز المالي للشركات، فيتوازن المركز المالي للفرد بتساوي إجمالي أصوله مع إجمالي خصومه ورأسماله. على سبيل المثال لو قام شخص بشراء عقار بقيمة 500 ألف ريال ودفع 100 ألف ريال كدفعة مقدمة "20 في المائة" فالمتبقي سيتم تمويله من البنك بتمويل عقاري. هذا الشخص استطاع شراء هذا العقار من خلال استخدام الرافعة المالية بمضاعفة رأسماله بخمسة أضعاف باستخدام الدين، حيث إن نسبة الرفع المالي تساوي إجمالي الأصول إلى رأس المال.
كلما زادت نسبة الدين مقارنة برأس المال في تمويل الأصول "قيمة العقار"، زادت معها نسبة الرافعة المالية، وارتفعت معها المخاطر المالية للأفراد خصوصا مع زيادة التقلبات السعرية في إجمالي الأصول. فالرافعة المالية يمكن استخدامها استراتيجية مالية "ذكية" في بناء ثروات الأفراد والشركات في حالة انتعاش الاقتصاد ونمو الأسعار، وقد تكون استراتيجية مالية "سلبية" للثروات في حالة انخفاض أسعار الأصول. على سبيل المثال عندما تبدأ قيمة الأصول في الانخفاض إلى درجة أنها لا تغطي قيمة الخصوم أو الديون، فيقع الفرد هنا في منطقة رأس المال السالب Negative equity وفيها لن يستطيع استخدام الأصول "قيمة العقار" لتغطية الخصوم "التمويل العقاري" ولا سدادها، وهنا يظهر ضرر استخدام الرافعة المالية على الأفراد في حالة توقع تغير الدورة الاقتصادية وانخفاض أسعار الأصول.
ولتوضيح الآثار السلبية لارتفاع نسبة رافعة مالية في حالة ارتفاع الأسعار، وعلى افتراض انخفاض أسعار العقارات 10 في المائة، فسيتحمل هذا العميل خسارة 10 في المائة من إجمالي قيمة أصوله وفي الوقت نفسه تكون خسارته 50 في المائة من رأسماله في حال كانت نسبة الرفع المالي تساوي (5) بحسب المثال السابق. فعند توقيع عقد التمويل العقاري كانت قيمة إجمالي أصول هذا الشخص تساوي 500 ألف ريال دفع منها 100 ألف ريال كدفعة مقدمة من رأسماله. وبعد انخفاض أسعار العقارات 10 في المائة فستتم موازنة الانخفاض في قيمة أصوله "العقار" بانخفاض مماثل في رأس المال، بمعنى أن رأسمال الفرد سينخفض 50 في المائة من 100 ألف ريال إلى 50 ألف ريال وهي نسبة خسارة كبيرة مقابل انخفاض أسعار العقار 10 في المائة في حالة نسبة رفع مالي تساوي (5).
في سيناريو آخر، ماذا لو كانت نسبة الرفع المالي تساوي (20) وهي بالمناسبة نسبة غير جيدة، بمعنى أنه تم تخفيض نسبة الدفعة المقدمة إلى 5 في المائة بحيث يكون مبلغ الدفعة المقدمة 25 ألف ريال من 500 ألف "قيمة العقار". فهنا عند انخفاض أسعار العقار 10 في المائة "أو بقيمة 50 ألف ريال" فستكون هناك خسارة في رأسمال العميل 200 في المائة بالسالب، وبالتالي يقع الفرد هنا في منطقة رأس المال السالب Negative equity بمعنى أنه لن يخسر ثروته ومسكنه فقط، ولكن سيكون مطالبا من البنك في حالة تعثره ببقية مبلغ التمويل العقاري.
تاريخيا تم رفع نسبة الرفع المالي ثلاث مرات بشكل سنوي من بداية 2017 حتى بداية 2019 في السوق السعودية، ووصلت هذه النسبة إلى (20) لأصحاب المسكن الأول First-time home buyers. وخلال هذه الفترة ساعد انخفاض أسعار العقارات السكنية على تقليل الآثار السلبية لنسبة الرفع المالي. في الجهة المقابلة، اليوم ارتفعت أسعار هذه العقارات 55 في المائة خلال الأعوام الثلاثة الماضية، ولكن ما زالت نسبة الرفع المالي ثابتة عند مستويات مرتفعة قد تنتج عنها آثار غير جيدة في حالة تقلب الأسعار أو انخفاضها بوتيرة الانخفاض السابق نفسها.
ارتفاع نسبة الرافعة المالية في السابق ساعد كثيرا من العملاء على التملك وعلى بناء ثروة من خلال تضخم أسعار هذه الأصول التي تم تمويلها وشراؤها بالاستفادة من استراتيجية الرفع المالي المرتفعة. ولكن ماذا عن ثبات نسبة الرفع المالي على هذه المستويات المرتفعة في ظل ارتفاع أسعار الأصول العقارية في الوقت الحالي وآثارها في زيادة المخاطر الائتمانية للأفراد، وهذا قد يؤدي إلى التمويلات العقارية الخاسرة Underwater Mortgages. وبالتالي التساهل في هذه النسبة قد ينتج عنه حصول أفراد وشركات غير مؤهلين لتحمل هذه الأعباء المالية. وأيضا أفراد عالقين في مساكن لا يستطيعون تحملها ماليا أو بيعها.