الحرب الاقتصادية وأثرها في تقويض العولمة
أخذت الحرب بين روسيا وأوكرانيا شكلا جديدا، حيث بدأت الدول الغربية معاقبة روسيا اقتصاديا في شكل من أشكال الحروب الحديثة التي تهدد مفهوم العولمة Globalization. يذكر Robert Skidelsky أستاذ الاقتصاد السياسي البريطاني، أن العقوبات الاقتصادية أصبحت أداة مفرطة الاستخدام للدبلوماسية الوقائية. فمن خلال قطع أجزاء من العالم عن التجارة الدولية، فإن هذا سيؤدي إلى تكتلات معادية، وسيدمر وعود العولمة.
بدأت الدول الغربية في فرض قيودها على البنك المركزي الروسي للتأثير في عملتها الروبل، إضافة إلى محاولة التأثير في نظام المدفوعات والتمويل SWIFT الذي سيعزل روسيا فعليا عن بقية دول العالم. وهذا سيؤدي إلى إضعاف الثقة بالبنوك الروسية. كما تشمل القيود الحالية المفروضة على روسيا حظرا على التجارة في التقنيات الحيوية، وتجميدا واسعا للأصول وحظر السفر، ومنع وصول البنوك الروسية الكبرى إلى أسواق رأس المال الدولية، وحظر السفر وتجميد الأصول الذي يستهدف الأفراد، واستبعاد الطائرات الروسية من الرحلات الدولية. مع مصادرة احتياطيات النقد الأجنبي للبنك المركزي الروسي. كما أن الدول الغربية قد أفرطت في استخدام القوة الاقتصادية في مواجهة روسيا من خلال تجميد ومصادرة أصول رجال الأعمال الروس. ومن الأسلحة الاقتصادية المستخدمة نزوح الشركات متعددة الجنسيات بشكل كامل من روسيا، ما سيؤدي إلى تقليص النمو الاقتصادي وزيادة البطالة مع مرور الوقت. وإذا استمرت هذه الإجراءات فترة أطول فقد تتسبب في تدني مستويات المعيشة، وتراجع الصحة، وزيادة الوفيات.
إن المخاطر المنطوية على الاستخدام المفرط للعقوبات الاقتصادية قد تقود العالم إلى مزيد من المواجهة والتعنت، وجر العالم إلى حرب أكبر وأكثر تأثيرا. يذكر Raghuram G. Rajan أستاذ المالية والمحافظ السابق لبنك الاحتياطي الهندي في مقال بعنوان «أسلحة الدمار الشامل الاقتصادية»، أن الأسلحة الاقتصادية التي أصبح استخدامها بفضل التكامل العالمي ممكنا تشكل طريقة لتجاوز نظام الحوكمة العالمي المشلول. وحسب قوله "إنها تسمح للقوى الأخرى بطريقة فعالة ومؤلمة، لكنها حضارية للرد على العدوان والوحشية". ويضيف "لا يجب الاستهانة بالمخاطر التي يمكن أن توجدها هذه الأسلحة. فعندما يتم إطلاق العنان للجزاءات بشكل كامل، فإنها تصبح أسلحة دمار شامل. قد لا تطيح بالمباني أو تتسبب في انهيار الجسور، لكنها تدمر الشركات والمؤسسات المالية وسبل العيش حتى الأرواح. إنها مثل أسلحة الدمار الشامل العسكرية، قادرة على إحداث الألم بطريقة عشوائية، فتضرب المذنبين والأبرياء. وإذا تم استخدامها على نطاق واسع، فيمكنها قلب مفاهيم العولمة التي سمحت للعالم الحديث بالازدهار.
يمكن أن تساعد الحرب الاقتصادية على تجاوز ضعف موازين القوى العالمية سياسا، لكن أثرها قد يسهم في تفتيت الاقتصاد العالمي وزيادة نسب الفقر وانعدام العدالة والازدهار. لذلك يجب أن تركز دول العالم حاليا على المحافظة على عدالة العولمة الاقتصادية، واستخدامها بطريقة تساعد على تحقيق الازدهار واستدامة الرخاء، بدلا من تحويلها إلى أداة لتفتيت العالم، وتركيزها بيد قوى اقتصادية قليلة في محاكاة للنظام السياسي الحالي، العاجز عن حل مثل هذه المشكلات. وهذا سيؤدي لاحقا إلى العودة لما قبل التكتل الاقتصادي العالمي. وسيضعف ثقة دول العالم في النظام الاقتصادي العالمي. وهذا سيؤدي بالتأكيد إلى انهيار العولمة والإفراط في استخدام الأسلحة الاقتصادية.