الدولار وذخيرته من القوة «2 من 2»

لم تكن فعالية العقوبات المفروضة على الاحتياطيات الروسية نابعة من التدابير الأمريكية وحدها، بل من الخطوات المتوافقة التي اتخذتها أوروبا واليابان. فقد ضمنت مشاركتهما شبه الإجماع بحكم الأمر الواقع، لأن البنوك الصينية أصبحت عازفة عن التعامل مع روسيا خشية التعرض للعقوبات بدورها.
لكن في الوقت الحالي لا تنطبق علاوة مخاطر العقوبات على احتياطيات النقد الأجنبي واقعيا إلا على الدول المعرضة لخطر كبير بسبب التدابير المنسقة عالميا، وبالتحديد الصين. وعندما يتعلق الأمر بالأغلبية العظمى من الدول الأخرى، فيجب أن تظل مخاطر العقوبات منخفضة. وسيظل تنويع الاحتياطيات ممارسة منطقية، لكن من المرجح أن تستفيد منه الدول التي تعد بعيدة عن العقوبات.
وفي حين أثارت الحرب التجارية الأمريكية مع الصين وتجميد الاحتياطيات الروسية مرة أخرى مخاوف الخروج الجماعي من الدولار، فإن السؤال هو إلى أين؟ تدعم تأثيرات الشبكة القوية "الامتياز الباهظ" الذي يتمتع به الدولار، وبوسعنا أن نقول: إن العقوبات المفروضة على روسيا عززت مكانته كمرساة. بوضع كل العناصر في الحسبان، يبدو تقسيم الاحتياطي بنسبة 60 / 40 بين الدولار والعملات الأخرى مناسبا.
في حين يجب أن يستمر الرنمينبي في الاستفادة من الروابط التجارية القوية بين الصين والدول ومصدري السلع الأساسية الأصغر حجما، فمن المرجح أن يتراجع التحدي الذي يفرضه على الدولار بسبب تفاقم حالة عدم اليقين فيما يتعلق بسيادة القانون وعلاوات مخاطر العقوبات. ربما تكون البنوك المركزية الأكبر حجما أشد عزوفا عن الاحتفاظ بالرنمينبي بسبب مخاطر العقوبات الغربية والمخاطر المقابلة المتمثلة في اضطرار الصين إلى العودة إلى فرض ضوابط رأس المال على الأجانب. لذا يجب أن تظل العملة الصينية تمثل جزءا ضئيلا من الاحتياطيات العالمية.
ينبغي لحصة اليورو من الاحتياطيات العالمية أن تنتعش إذا عادت العوائد إلى المنطقة الإيجابية. ويمثل التقدم المحرز أخيرا في تقليص خطر تفكك منطقة اليورو شرطا مسبقا لكل من أسعار الفائدة الأعلى وحصة أكبر من الاحتياطيات العالمية. مع ذلك، يظل لزاما على أوروبا أن تعالج القضايا التي عملت على الإبقاء على حصة اليورو من الاحتياطيات عند مستوى أقل من 30 في المائة قبل أزمة منطقة اليورو: أسواق رأس المال المحلية المجزأة وآليات تثبيت الاستقرار المعيبة في مواجهة التقلبات الدورية.
تتمتع دول أخرى ببعض قيمة تنويع المخاطر. لكنها على المستويين الفردي والجماعي أصغر كثيرا من أن تشكل بديلا يمكن التعويل عليه للولايات المتحدة والصين وأوروبا كمقصد للاحتياطيات. مع ذلك، قد يتوقع المرء تداعيات طويلة الأمد نتيجة لتجميد الاحتياطيات الروسية. فستسعى الصين إلى عزل احتياطياتها القائمة عن العقوبات المحتملة. وسيفكر مصدرو السلع الأساسية كيف يستثمرون احتياطيات النقد الأجنبي المسكوكة حديثا والناشئة عن طفرة السلع الأساسية الحالية. كما سيبادر المستثمرون الأجانب، من القطاعين العام والخاص، إلى تقييم الأضرار الجانبية المحتملة من العقوبات المالية التي قد تؤثر في قابلية أصول الرنمينبي للتحويل في الداخل.
لكن ما الذي قد يتسبب في نهاية المطاف في قلب هيمنة الدولار المستمرة رأسا على عقب؟ إذا كان للتاريخ أن يتوافق مع تجربة المملكة المتحدة قبل قرن من الزمن، فسيشمل ذلك مزيجا من فرط استخدام العقوبات المالية الأمريكية، ومزيدا من الركود الاقتصادي في الداخل، وتآكل مصداقية الضمانات الأمنية في الخارج. يبدو هذا السيناريو أقرب كاحتمال مما كان عليه قبل خمسة أعوام. لكن لا تراهنوا على حدوثه في أي وقت قريب.
خاص بـ "الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي