الأقمار الصناعية ومسارها الاستثماري والدفاعي

أصبح زماننا زمن السرعة، والتحدي الكبير يتمثل في سرعة الحصول على المعلومة ودقتها، خصوصا مع التقدم التقني والتكنولوجي وتعدد الابتكارات الإلكترونية، ولا شك أن تركيز القوة في ذلك يكمن في القدرة على تصنيع وامتلاك هذه التقنيات والابتكارات التي تمكن من عناصر الوصول إلى التنافسية والريادة والصدارة.

وتحدثت في مقال سابق عن ذلك، وبشكل تعريفي، عن أنواع هذه التقنيات، ومنها تقنية الأقمار الصناعية التي تعد من أهم الابتكارات الحديثة التي كان لها تأثير واضح وقوي على جوانب الحياة المختلفة، واستخداماتها الدفاعية والرصد والتصوير وغيرها من الاستخدامات المهمة، بل أصبحت الدول الريادية تسعى إلى الاعتماد عليها في كثير من الأمور التي من شأنها دعم مستقبلها وتقدمها اقتصاديا ودفاعيا، ولذا سيكون مقالنا اليوم تحديدا عن استخدامات وتطبيقات تقنية الأقمار الصناعية الخاصة بمجال الاتصالات عموما، والدور المهم الذي تقوده في سرعة نقل الاتصالات اللاسلكية والإنترنت، وما يشمل ذلك من استخدام لوسائل التواصل الاجتماعي وجميع وسائل الاتصالات بأنواعها المختلفة.

ولعل فكرة أقمار الاتصالات تعتمد عموما على ترحيل وتضخيم إشارات الاتصالات اللاسلكية عن طريق أجهزة الإرسال والاستقبال المصممة لذلك التي تقوم بدورها بإنشاء قناة اتصال بين أجهزة الإرسال الرئيسة وأجهزة الاستقبال في المواقع المختلفة على سطح الأرض، ويمكن أن تستخدم هذه الأقمار الخاصة بالاتصالات في البث التلفزيوني والراديو، والهواتف، والإنترنت والتطبيقات العسكرية الدفاعية، ومعظمها يقع في مدار ثابت بالنسبة للأرض على ارتفاع 35900 كم فوق خط الاستواء، حيث تبدو هذه الأقمار ثابتة عند النقاط نفسها في السماء، ولذلك نرى أنه يمكن توجيه الهوائيات وأطباق الأقمار الصناعية الخاصة بالمحطات الأرضية بشكل دائم إلى الاتجاهات نفسها، ولا يتطلب الأمر مزيدا من الحركة لتتبع هذه الأقمار، ويعتمد الإنترنت عبر الأقمار عموما على ثلاثة مكونات أساسية: قمر صناعي ، سواء كان في مدار ثابت بالنسبة إلى الأرض أو مدار أرضي منخفض أو مدار أرضي متوسط، وعدد من المحطات الأرضية المعروفة باسم بوابات ترحيل بيانات الإنترنت من وإلى القمر الصناعي عبر موجات الراديو "الميكروويف" ومحطات أرضية أخرى لخدمة كل مشترك بهوائي وجهاز إرسال واستقبال صغير، وتشتمل المكونات الأخرى لنظام الإنترنت عبر الأقمار الصناعية على "مودم" عند طرف المستخدم يربط شبكة المستخدم بجهاز الإرسال والاستقبال، ومركز عمليات الشبكة المركزية لمراقبة النظام بأكمله.

حاليا أصبح التوجه لكثير من الشركات الكبرى في مجال الاتصالات، الاعتماد على هذه الأقمار الصناعية في تقديم خدماتها للمستخدم النهائي دون الاعتماد على الطرق التقليدية المعروفة في خدمات الاتصالات عموما وخدمات الإنترنت خصوصا تحت مسمى Satellite Internet، مثل شركة سبيس إكس SpaceX :Space Exploration Technologies التي يملكها إيلون ماسك، وتملك شبكة Starlink الفضائية التي تغطي نحو 23 دولة حاليا، وتعمل على إطلاق ما يقارب أكثر من 40 ألف قمر صناعي، وستوفر وصولا سريعا ورخيصا للإنترنت في كثير من أنحاء العالم، وغيرها من الشركات، مثل شركة هيوز لأنظمة الشبكات Hughes Network Systems Company الأمريكية التي لديها استثمارات بمليارات الدولارات في ابتكارات الاتصالات عبر الأقمار الصناعية وتعمل حاليا في تشغيل أكبر شبكة إنترنت عبر الأقمار الصناعية في أمريكا الشمالية، وشركة فياسات Viasat التي تعد من أفضل مزودي خدمة الإنترنت سواء التجارية أو الدفاعية عبر الأقمار الصناعية وأنظمة شبكاتها الآمنة في الولايات المتحدة وغيرها رغم الهجمات الإلكترونية Cyberattacks التي تعرضت لها بداية عام 2022، إضافة إلى وجود تحالف بين عدد من الشركات الأخرى في هذا السياق.

ولعل الأهمية تكمن في الاستثمارين الاقتصادي والدفاعي في هذا المجال الواعد، في ظل تكامل مشترك بين القطاعات والجهات المعنية والهيئات والمراكز البحثية الوطنية، ليكون هناك تحالف وتوحيد إشرافي للجهود تحت مظلة الهيئة العامة للتطوير الدفاعي لدورها في تمكين الابتكار الدفاعي، وهذا التحالف مرتبط بين مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية كون لديها الخبرة البحثية الواسعة في هذا المجال والهيئات المعنية، مثل: الهيئة السعودية للفضاء، وهيئة الاتصالات وتقنية المعلومات، والهيئة العامة للصناعات العسكرية، وهيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار، ووزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، وشركات الاتصالات المحلية، مثل شركة الاتصالات السعودية، وبين الشركات العالمية في هذا المجال مثل الشركات التي سبق ذكرها وغيرها، ما سيساعد ذلك على جلب الاستثمارات الخارجية، والعمل والتركيز على تصنيع مثل هذه التقنيات من خلال نقل المعرفة، ولا يكون دورنا فقط كمستخدم نهائي، أو مجرد إصدار تصاريح لعملها داخليا باشتراكات سنوية مع هذه الشركات وهذا غير مجد اقتصاديا أو أمنيا، خصوصا ونحن الآن مع ما نشاهده من تطور عمراني كبير على مستوى مملكتنا الحبيبة ومن استحداث مدن جديدة مثل مدينة نيوم وغيرها، الأمر الذي يتطلب الخروج من أنفاق قطاع الاتصال التقليدي المكلفة جدا في تهيئة البنية التحتية لها، إلى قطاع الاتصال الحديث الذي يعتمد على تقنيات ابتكارية متطورة مثل تقنيات الأقمار الصناعية ومواكبة التوجه العالمي في ذلك، وبالتالي سيكون لنا دور مهم على المستوى الاقتصادي والدفاعي والريادي والمستقل والمستدام.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي