بندول السياسة المناخية
من الصعب أن نكون متفائلين بشأن المناخ في أيامنا هذه. ففي حين تتراكم التكاليف المترتبة على أحداث الطقس القاسية مثل حرائق الغابات في لوس أنجلوس، يتأرجح بندول السياسة الفيدرالية الأمريكية بعيدا عن الحقائق، والمنطق، واللياقة الإنسانية الأساسية. ومع ذلك، حتى مع تحرك حكومة الولايات المتحدة في الاتجاه الخاطئ، تشير الاتجاهات في العلوم، والاقتصاد، والسياسة المحلية على نحو متزايد إلى أن البندول سيتأرجح مرة أخرى عائدا إلى الصواب في الوقت المناسب.
في نهاية المطاف، لا أحد يستطيع أن يجادل في علوم الفيزياء التي تستند إليها تكنولوجيات الطاقة النظيفة اليوم. فالمضخات الحرارية، والمواقد الحثية، والمركبات الكهربائية ــ على سبيل المثال لا الحصر ــ تكنولوجيات أفضل جوهريا من السابقة لها. فقد تصل كفاءة أفضل أفران الغاز إلى 95%، وهذا يعني أنها تحول 95% من الطاقة التي تستخدمها إلى حرارة؛ لكن معظم المضخات الحرارية تصل كفاءتها بسهولة إلى 200%، وبعضها يصل إلى 400% أو أكثر.
لنتأمل هنا صناعة الأسمنت، التي تمثل نحو 8% من الانبعاثات الغازية المسببة للانحباس الحراري السنوية على مستوى العالم. هيمن الأسمنت البورتلاندي العادي، الذي حصل على براءة اختراع قبل 200 عام، على هذا القطاع لعقود من الزمن.
يتمثل أحد المكونات الرئيسية في إعانات الدعم العامة لمساعدة الشركات على تسلق منحنى التعلم والانزلاق على منحنى التكلفة نحو تسويق تجاري أسرع. وقد تلقت كل من الشركتين تمويلا مبكرا للبحث والتطوير من وكالة المشاريع البحثية الأمريكية المتقدمة للطاقة (ARPA-E) وتقدمتا الآن إلى مرحلة النشر، حيث حصلتا على ما يصل إلى 190 مليون دولار و90 مليون دولار على التوالي لبناء أولى محطاتهما التجارية. في مجمل الأمر، خصص قانون البنية الأساسية الثنائي الحزبية وقانون خفض التضخم نحو 100 مليار دولار لمثل هذه الأغراض، مع التمويل العام المشروط بمضاهاة الاستثمارات الخاصة.
علاوة على ذلك، تتضاءل هذه المبالغ أمام برنامج قروض وزارة الطاقة. فبالاستعانة بمبلغ 17 مليار دولار فقط من أموال دافعي الضرائب، يخول قانون خفض التضخم مكتب برامج القروض التابع للوزارة بإقراض 350 مليار دولار للاستثمارات في الطاقة النظيفة وتصنيع المركبات الكهربائية المحلية. ثم تعمل هذه الأموال العامة على تحفيز أضعاف ذلك المبلغ في استثمارات خاصة.
ولكن هل يمكننا إعادة التعقل إلى سياساتنا الوطنية؟ قد يكون من المبتذل أن نقول إن التغيير يبدأ من الداخل، ولكن ما هو مبتذل غالبا ما يكون صحيحا. وخير مكان ننظر إليه هو نيويورك. ففي حين تعاني المدينة مشكلات عديدة، فإن سياساتها المناخية ليست بينها. ذلك أن نحو 70% من انبعاثات نيويورك المباشرة تأتي من تدفئة وتبريد المباني، بينما تأتي الـ 30% الأخرى من السيارات والشاحنات. ما يدعو إلى التفاؤل أن القانون المحلي رقم 97 يعالج بالفعل المشكلة الأولى. يعد هذا القانون أحد أكثر تدابير إزالة الكربون من المباني طموحا في أي مكان، حيث يُـلزِم أغلبها بخفض انبعاثاتها بنسبة 40% خلال هذا العقد، وبنسبة 100% بحلول 2050.
ولأن نيويورك كانت المدينة الأكثر ازدحاما في العالم، فإن تحسن جودة الحياة نتيجة لانخفاض حركة المرور بات ملموسا بالفعل. يصدق الأمر ذاته على مشكلة آخر استغرق علاجها وقتا طويلا إلى حد مناف للعقل: نقص صناديق القمامة. على مدار العام الماضي، أصدرت المدينة أخيرا صناديق رسمية للقمامة، وإعادة التدوير، والسماد العضوي، وبدأ تطبيقها على المباني السكنية هذا الشهر. الواقع أن تنظيف أعمالنا ــ بما في ذلك بفرض التسميد الإلزامي وغير ذلك من السياسات ــ لن ينقذ الكوكب. لكن الحكومة الفعالة قد تفعل ذلك.
علوم الفيزياء وحدها لن تدفع البندول إلى ما كان عليه من قبل. وسيتطلب هذا سياسات قائمة على الاقتصاد السليم. وطالما أن ترمب لن يكسر نقطة الارتكاز ويتسبب في انهيار البندول بالكامل، فإن السياسات التي ابتكرها سلفه والمجتمعات المحلية ستظل تشكل قوة تفرض الضغوط في الاتجاه الصحيح.
خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.