استعدوا لحروب العملة العكسية «2 من 2»

صيغت عبارة "حرب العملات" عام 2010 من قبل قادة برازيليين احتجاجا على السياسات النقدية التي تنتهجها الولايات المتحدة، واليابان، ودول أخرى. لم يتهموا بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أو بنك اليابان بخفض قيمة الدولار أو الين صراحة، أو التدخل في سوق الصرف الأجنبية لدفع قيمة هاتين العملتين إلى الانخفاض، بل اتهموهما بتبني سياسات نقدية مفرطة في التساهل. زعم صناع السياسات البرازيليون أن نظراءهم الأمريكيين واليابانيين خفضوا أسعار الفائدة إلى الصفر، ثم زادوا الأمر سوءا على سوء بتقديم التيسير الكمي، متعمدين خفض قيمة الدولار والين، وبذلك تعزيز صافي الصادرات، وتصدير البطالة إلى شركائهم التجاريين.
على نحو مماثل، لا أحد اليوم يتهم السلطات الأمريكية باستخدام التدخل في الصرف الأجنبي لرفع قيمة الدولار. بل تدور الشكوى حول تسبب زيادات أسعار الفائدة الحالية من قبل الاحتياطي الفيدرالي في اجتذاب تدفقات رأس المال إلى الولايات المتحدة وتعزيز قوة العملة الأمريكية، ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الفائدة دوليا، وبالتالي الإبقاء على النمو العالمي دون المستوى الذي من الممكن أن يكون عليه.
لا يخلو الأمر من سوابق تاريخية للمخاوف من خفض القيمة التنافسي، وكان أبرزها في ثلاثينيات القرن الـ 20، عندما خفضت القوى الكبرى عملاتها مقابل الذهب، وبالتالي مقابل بعضها بعضا. لكن هل توجد أيضا سابقة لرفع القيمة التنافسي؟
زعم بعض المراقبين أن أوائل الثمانينيات قدمت مثل تلك السابقة. فعندما قرر الاحتياطي الفيدرالي بقيادة بول فولكر، رفع أسعار الفائدة بشكل حاد لمكافحة التضخم، كان يعلم أن ارتفاع قيمة الدولار سيعينه على هذه المهمة. لكن الانخفاض المقابل في قيمة عملات شركاء الولايات المتحدة التجاريين أدى إلى تفاقم معدلات التضخم لديهم وأجبرهم على رفع أسعار الفائدة أيضا.
الضحايا الأكثر ترجيحا لارتفاع قيمة اليورو اليوم ليست الدول الغنية الكبرى، بل الاقتصادات الناشئة والنامية. فكثير منها لديها ديون كبيرة مقومة بالدولار، تفاقمت بسبب الإنفاق المالي المطلوب لمكافحة جائحة مرض فيروس كورونا كوفيد - 19. عندما ترتفع قيمة الدولار، تزداد تكاليف خدمة الدين بالعملات المحلية. ومن الممكن أن يؤدي اقتران أسعار الفائدة العالمية متزايدة الارتفاع بالدولار الأقوى إلى اندلاع أزمات الديون، كما حدث في المكسيك عامي 1982 و1994.
لكن ليس كل المخاوف من رفع قيمة العملات التنافسي مبررة أو تستحق إصلاح نظام العملة الدولي. على عكس معظم البنوك المركزية، أبقى بنك اليابان على سياسة نقدية شديدة اللين طوال العام الماضي، في استمرار لحملته طويلة الأمد لزيادة النمو ومعدل التضخم. وعلى هذا فبينما يرفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة، في محاولة لإبطاء ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، لا تزال أسعار الفائدة اليابانية عند مستوى الصفر أو أقل. وكما توقعنا، تسبب فارق أسعار الفائدة متزايد الاتساع في انخفاض قيمة الين بنحو 15 في المائة مقابل الدولار خلال العام الماضي.
في مجمل الأمر، لا يمثل هذا التغير الكبير في سعر صرف الدولار مقابل الين مشكلة حقيقية. فقد دفع الأسعار في اليابان إلى الارتفاع، في حين فرض ضغوطا دفعت التضخم في الولايات المتحدة إلى الانخفاض. هذا هو ما كانت كلتا الدولتين تسعى إلى تحقيقه. تسمح العملات المعومة لكل بلد بملاحقة السياسة النقدية التي تناسب ظروفه الخاصة. لكن مع احتمال استمرار التضخم العالمي المرتفع لبعض الوقت، ترتفع احتمالات نشوب حروب عملة عكسية. وبدلا من السباق إلى القاع في سوق الصرف الأجنبية، ربما نشهد تدافعا نحو القمة، ومن المرجح أن تكون الدول الأكثر فقرا هي الأشد معاناة في هذه العملية.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي