احترام التخصص

عدم احترام التخصص ظاهرة ليست بالجديدة وهي ظاهرة في غاية الخطورة. وقد برزت هذه الظاهرة وانتشرت مع توافر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة. إن أي مجتمع راق متحضر يدرك أهمية التخصص وأنه يجب احترامه والتمسك به ولا يتيح ذلك المجتمع لمن هب ودب أن يتكلم عن أمور خارج نطاق تخصصه. من السهل ملاحظة إلى أي مدى بلغت هذه الظاهرة، فتجد من يتحدث عن العلاجات والأدوية وأمور الطب، وهو الذي لم يسبق له أن حضر محاضرة طبية أو قرأ كتابا طبيا، بل بلغت الجرأة ببعضهم أن يصف دواء ويؤكد نجاعته وقد يصدقه البعض مع ما قد يترتب على ذلك من مخاطر صحية، قد تصل إلى حد الوفاة. وقد ورد في الأثر "من تطبب ولم يعرف منه فهو ضامن".
وأسوأ من ذلك من يفتي في أمور الدين وهو أبعد ما يكون عن ذلك. وقد قرر الحق سبحانه أنه لا يفتي في أمر الدين إلا من هو أهل لذلك، "فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون". إننا نلاحظ أن من الناس من يرى نفسه عالما في كل شيء على حين أنه من العقل والحكمة أن يقول فيما لا يحسن الحديث عنه، "لا أعلم"، لكن مع الأسف فإن البعض يرى أن جملة "لا أعلم" مرادفة للجهل وهذا تفكير خاطئ تماما، لأن هذه المقولة في الحقيقة تنم عن قوة العلم وزكاء النفس. إتاحة الباب مشرع على مصراعيه للدخلاء أدى إلى إحجام المتخصصين الذين يرون أن أصواتهم ستذهب أدراج الرياح وسط هذه الفوضى الفضائية. رحم الله الشاعر الفقيه محمد الشوكاني الذي صور هذه الحالة بأبيات شعرية:
يا ناقدا لكلام ليس يفهمه
من ليس يفهم قل لي كيف ينتقد
يا صاعدا في وعور ضاق مسلكها
أيصعد الوعر من في السهل يرتعد؟!
يا خائض البحر لا تدري سباحته
ويلي عليك أتنجو إن علا الزبد
وللحد من هذه الظاهرة، فإنه على الأسر أن تربي أبناءها منذ الصغر على احترام التخصص، كما أنه على وسائل الإعلام مسؤولية كبيرة فلا تستضيف في برامجها لمناقشة أمر ما إلا من هم أهل لذلك. إن احترام التخصص يعد سمة حضارية تنبئ عن مجتمع واع يرفض الدخلاء الذين يهرفون بما لا يعرفون.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي