بوريس جونسون يخلف وراءه فوضى الاسترليني «2 من 2»

إن المشكلة الأساسية لتراجع قيمة الجنيه الاسترليني، كانت من أسبابه ضعف نمو الإنتاجية، وهو ما انعكس في الصادرات غير التنافسية، والعجز التجاري، والبطالة. ولتحفيز الطلب والنمو، خفضت حكومة حزب العمال التي يقودها ويلسون أسعار الفائدة، وخففت القيود على الاقتراض لشراء السيارات. وأدى ذلك، كما هو متوقع، إلى مزيد من التدهور في الميزان التجاري وتكالب آخر على البنك المركزي. وسعى ويلسون إلى طمأنة المواطنين، بعبارة تقول إن "الجنيه الذي تضعونه في جيوبكم" كان قويا كما كان دائما. وتشير الهزيمة التي حصدها حزب العمال لاحقا في الانتخابات، إلى أن الناخبين أدركوا خداعه.
وحدثت أزمة في 1992، عندما أخرج الجنيه الاسترليني من آلية سعر الصرف الأوروبية، مرة أخرى على خلفية ضعف أداء الإنتاجية في المملكة المتحدة.
فقد انخفض الناتج لكل ساعة عمل من المستويات الألمانية المحددة في 96 في المائة في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، إلى 87 في المائة فقط بحلول 1992. ومن ثم، فإن ربط الجنيه الاسترليني بالمارك الألماني، وهي العملة الأساسية في أوروبا، يعني خسارة تراكمية للقدرة التنافسية. وأدى ضعف الدولار الأمريكي وارتفاع أسعار الفائدة الألمانية، وهما العاملان اللذان عززا المارك الألماني، إلى زيادة صعوبة الحفاظ على ربط العملة بالدولار.
وربما قد رفع بنك إنجلترا من أسعار الفائدة حتى يدافع عن الجنيه الاسترليني. لكن كما في 1967، كانت الأهداف الداخلية والخارجية تتناقض مع بعضها بعضا. وكان ارتفاع أسعار الفائدة سيؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة، وكان سيتطلب من أنصار المحافظين لرئيس الوزراء، جون ميجور، مدفوعات رهن عقاري أعلى. وفي النهاية، استسلم بنك إنجلترا ووزارة الخزانة، وبضغوط من جورج سوروس، استسلم الجنيه الاسترليني أيضا.
ويقدم هذا التاريخ دليلا إرشاديا يفسر الآفاق الحالية والمستقبلية للجنيه الاسترليني. وأساسا، تعاني بريطانيا بطئا في نمو الإنتاجية. ورغم أن هذا البطء ليس بالجديد، فقد كان قويا بصورة غير عادية منذ 2008، خاصة منذ 2016. وتعددت أسباب هذا البطء، التي تتمثل في علاقات العمل المتصدعة، والبنية التحتية القديمة، والاستثمار الضعيف، ونقص العمال المدربين تدريبا مناسبا. وقد تفاقمت الآن بسبب الاحتكاكات وأوجه القصور التي أحدثها خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
وللحفاظ على الطلب على إنتاجها، تحتاج المملكة المتحدة إلى تسعير سلعها بقدر أكبر من التنافسية. وهذا يتطلب إما تضخما أقل من الخارج وإما سعر صرف أضعف. لكن التضخم لا يتراجع، لأن بريطانيا تتضرر بشدة من صدمة أسعار الطاقة العالمية، ولأن النقابات، بعد عقد أو أكثر من التقشف، تطالب بأجور أعلى. وهذا ما أدى إلى تراجع الجنيه الاسترليني.
ولا يزال بنك إنجلترا يضع تجار العملات في مواقف صعبة. إذ يمكن أن يرفع أسعار الفائدة بوتيرة أسرع مما هو متوقع حاليا، ما يخفف التضخم ويدعم العملة، وإن كان ثمن ذلك هو حدوث ركود اقتصادي. فكل شيء ممكن. لكن قرنا من تاريخ المملكة المتحدة يشير إلى أن هذا السيناريو غير مرجح.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي