الدولار يحلق .. يحكم وملاذ آمن "2 من 2"

ربما يبدو أن تحرك الفيدرالي الأمريكي غير مرجح، في تقدير أسعار الفائدة، ومع ذلك ينبغي لنا أن نتذكر أن سوق السندات الأمريكية تشهد انعكاسا دراميا في الاتجاه، وأن سوق المال في الولايات المتحدة تبدأ الآن وضع تخفيضات أسعار الفائدة الفيدرالية في الحسبان "من مستويات أعلى مما هي عليه اليوم" بعد عامنا هذا. كما قال لي واحد من أنجح مديري صناديق الاقتصاد الكلي ذات مرة، فإذا كان هناك ما يمكنك التأكد منه مع الاحتياطي الفيدرالي، فهو أنه سيغير رأيه عند مرحلة ما.
يتمثل احتمال ثان في أن تسبق بنوك مركزية رئيسة أخرى الاحتياطي الفيدرالي بإحكام سياساتها، كما حدث خلال فترات سابقة من انحدار الدولار، لكن نظرا إلى حال أغلب الاقتصادات الأخرى، يبدو هذا السيناريو غير مرجح.
هذا يترك احتمالين آخرين. أحد الأسباب وراء استمرار حـكـم الدولار على الرغم مما يحدث في الولايات المتحدة والعالم، هو أنه لا توجد بدائل استراتيجية مهمة له. فاليورو، على سبيل المثال، يعاني مشكلات متكررة باستمرار ترجع إلى تركيبة البلدان الأعضاء في منطقة اليورو، فضلا عن غياب سند موحد باليورو يشمل الاتحاد بالكامل.
قد يزعم بعض المعلقين أن الرنمينبي الصيني يمثل بديلا معقولا، ولكن إلى أن تعمل الصين على تشجيع استخدام عملتها على نطاق أوسع والسماح لهذا الاستخدام بأن يكون سائلا وحرا، من غير الممكن أن يشكل الرنمينبي تهديدا رئيسا لهيمنة الدولار. صحيح أن دول البريكس "البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا" ناقشت في مؤتمرها السنوي هذا العام كيف يمكنها تعزيز استخدام عملاتها على نطاق أوسع، لكننا سمعنا هذا الحديث من قبل، وليس هناك من الأسباب ما يحملنا على الاعتقاد بأن مثل هذه الطموحات النبيلة قد تتحقق في أي وقت قريب.
تاريخيا، كانت قوة الدولار تبدأ في التراجع عندما يعلن وزير الخزانة الأمريكية أن العملة أقوى مما ينبغي ويطرح احتمال تدخل الولايات المتحدة في السوق لإضعافها. ليس لدي أدنى شك في أن هذا قد يحدث مرة أخرى في عهد جانيت يلين ـ وإن كان من المبكر بعض الشيء اتخاذ مثل هذه الخطوة إلى أن تظهر أدلة إضافية على انخفاض توقعات التضخم.
إن الدولار الأمريكي هو العملة الأقوى منذ بداية العام مقابل العملات الرئيسة، حيث سجل مؤشره ارتفاعا بـ15.04 في المائة خلال الـ12 شهرا الماضية، و8.67 في المائة منذ بداية العام.
الاتجاه الصعودي للدولار الأمريكي له أسباب عدة، يتعلق بعضها بقوة الاقتصاد الأمريكي، والوتيرة الثابتة لرفع أسعار الفائدة من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الذي جعل نياته للاستمرار في رفع سعر الفائدة واضحة للأسواق، إضافة لذلك فإن الاقتصاد الأمريكي لا يزال في حالة جيدة متزامنا مع نسبة بطالة متدنية، ويبدو أن النسبة ستظل متدنية لبعض الوقت، حيث وصل عدد الوظائف الشاغرة إلى 11 مليون وظيفة مقابل ستة ملايين عاطل عن العمل، أي بنسبة تكاد تقارب الوظيفتين لكل عاطل عن العمل.
ولا تعتمد قوة الدولار على قوة الاقتصاد الأمريكي فقط، ولكن على عوامل ضعف الاقتصادات الأخرى أو لعوامل جيوسياسية تفاقم التحديات الاقتصادية خاصة لبعض الأسواق الناشئة، التي يعتمد عدد كبير منها على تمويل موازناتها عن طريق طرح سندات بالدولار الأمريكي. فعندما تبدأ اقتصادات هذه البلدان في التعثر تبدأ رؤوس الأموال في المخارجة منها بشكل جماعي، ما يزيد الطلب على الدولار الأمريكي على حساب عملات هذه الدول.
في كل الأحوال، أظن أن أولئك الذين يقررون بيع حيازاتهم من الدولار اليوم سيسعدون بقرارهم هذا في غضون بضعة أعوام، لكني أنصحهم بعدم متابعة أداء تداول العملة دقيقة بدقيقة في الأيام التي تلي تحركهم. فعلى هذا الطريق لن يجدوا سوى القلق والتردد في اتخاذ القرار.

خاص بـ"الاقتصادية"
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي