عواقب الحرب على الأسواق والاقتصاد العالمي «2 من 2»
من المستحيل استبدال شيء ما بلا شيء، وهذا يعني أننا لن نشهد خسارة كبيرة للدولار أو التفوق المالي الأمريكي في المستقبل القريب. بدلا من ذلك، ستضفي العقوبات مزيدا من الزخم على عملية التفتت الاقتصادي العالمي التدريجي، التي تغذت أيضا قبل بضعة أعوام على الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب. الآن أصبح لدى عدد أكبر من الدول سبب أقوى لملاحقة قدر أعظم من المرونة المالية وأشكال من التأمين الذاتي التي تفتقر إلى الفاعلية بطبيعتها.
يقودنا هذا إلى المناقشة الثالثة. في غياب نهاية للحرب في الأفق، ماذا ينبغي للغرب أن يفعل الآن؟ انطلاقا من خوفهم من التداعيات على أسعار الطاقة وإمدادات الغاز إلى أوروبا، يستسلم كثيرون في الغرب لإغراء المطالبة بوقف اختياري لأي عقوبات جديدة ـ أو حتى فرض عقوبات إضافية مجتزئة. لكن آخرين يفضلون اتخاذ تدابير إضافية ضد روسيا.
على أي حال، لا يخلو الإبقاء على نظام العقوبات الحالي من المشكلات، نظرا إلى الهدف المزدوج المتمثل في الضغط على روسيا والحد من الارتباك الاقتصادي الذي لحق بأوروبا. علاوة على ذلك، كما قالت أورسولا فون دير لاين رئيسة المفوضية الأوروبية أخيرا، يبدو الأمر كأن روسيا "تبتز" أوروبا من خلال التهديد بقطع إمدادات الغاز في أي لحظة. ليس من المستغرب إذن أن تحث المفوضية الدول الأعضاء على خفض الاستهلاك 15 في المائة.
بموجب نظام العقوبات الحالي، يجازف الغرب بالسقوط بين جوادين. في حين قد يساعد تخفيف العقوبات على تهدئة المخاوف بشأن توقعات أوروبا الاقتصادية، فإن هذا الخيار غير وارد، بسبب هجوم القوات الروسية في أوكرانيا كما يزعم الإعلام الغربي. لكن إذا كان الغرب جادا بشأن الضغط على روسيا من خلال عقوبات اقتصادية ومالية معوقة حقا، فيتعين عليه أن يتقبل ما لا مفر منه ويعمل على إزالة الانتقاء المجزأ في فرض العقوبات في مجال الطاقة.
لا شك أن القيام بذلك من شأنه أن يخلف تأثيرا اقتصاديا شديد الحدة في الأمد القريب على الاقتصادات الأوروبية وبقية العالم، فيعمل على تضخيم عرض "الحرائق الصغيرة في كل مكان" الذي حذرت منه في أيار (مايو). من الأهمية بمكان إذن أن تستخدم الحكومات الحيز المالي المتاح لها لتوفير الدعم الموجه إلى الشرائح المستضعفة بين السكان، وكذا الدول الهشة، ويتعين على الهيئات المتعددة الأطراف أن تعمل على دعم الدول النامية من خلال المساعدات وإطار أكثر عملية للتخفيف من أعباء الديون. إذا جرى تنفيذ هذا الخيار على النحو اللائق، فسيفضي إلى نتائج أفضل في الأمدين المتوسط والبعيد مقارنة بالاستراتيجية الحالية.
إن التخبط على غير هدى يهدد بجلب أسوأ النتائج على الإطلاق. فهو لا يكفي لإثناء روسيا عن مواصلة حربها التي تراها شرعية، وهو يغذي تفتت النظام النقدي الدولي على نحو أشد عمقا، وهو عاجز حتى عن حماية أوروبا من انقطاع الغاز في فصل الشتاء.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022