من الاعتدال الكبير إلى الركود المقترن بالتضخم «2 من 2»
قد يضيف المنافسون الاستراتيجيون الآخرون للغرب مزيدا من الفوضى قريبا. من المرجح أن تتعرض إيران التي تتجاوز عتبة الأسلحة النووية إلى ضربات عسكرية من جانب إسرائيل أو حتى الولايات المتحدة، ما يؤدي إلى حدوث صدمة نفطية هائلة، ولا تزال كوريا الشمالية تلوح بشكل منتظم بسيفها النووي.
الآن وقد تم استخدام الدولار الأمريكي بالكامل لأغراض استراتيجية وأغراض الأمن القومي، فقد يبدأ موقعه كعملة احتياطية عالمية رئيسة في الانخفاض، وسيزيد ضعف الدولار بالطبع من الضغوط التضخمية. يتطلب النظام التجاري العالمي الخالي من الاحتكاك نظاما ماليا خاليا من الاحتكاك. لكن العقوبات الأولية والثانوية الشاملة أدت إلى زيادة كبيرة في تكاليف المعاملات التجارية.
وفوق كل ذلك، يعد تغير المناخ أيضا مصحوبا بركود تضخمي، إذ تؤدي موجات الجفاف وموجات الحر والأعاصير والكوارث الأخرى إلى تعطيل النشاط الاقتصادي بشكل متزايد وتهديد المحاصيل، "ما يؤدي إلى ارتفاع أسعار الغذاء". في الوقت نفسه، يبدو الاستثمار في النفط يتناقص، قبل أن يصل الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة إلى النقطة التي يمكنهم فيها تعويض الفرق. وبالتالي، كان الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة اليوم أمرا لا مفر منه.
ستشكل الأوبئة أيضا تهديدا مستمرا، ما يضفي مزيدا من الزخم على السياسات الحمائية، حيث تسارع الدول إلى تخزين الإمدادات الحيوية من الأغذية والأدوية والسلع الأساسية الأخرى. بعد عامين ونصف من الإصابة بفيروس كورونا، أصبح لدينا الآن جدري القردة. وبسبب الانتهاكات البشرية للنظم البيئية الهشة وذوبان التربة الصقيعية في سيبيريا، قد نتعامل قريبا مع فيروسات وبكتيريا خطيرة تم حبسها لآلاف الأعوام.
أخيرا، لا تزال الحرب الإلكترونية تشكل تهديدا لا يحظى بالتقدير الكافي للنشاط الاقتصادي حتى للسلامة العامة. ستواجه الشركات والحكومات إما مزيدا من الاضطرابات التضخمية في الإنتاج، وإما سيتعين عليها إنفاق أموال كثيرة على الأمن السيبراني. في كلتا الحالتين، سترتفع التكاليف.
من ناحية الطلب، لم تصبح السياسات النقدية والمالية والائتمانية الفضفاضة وغير التقليدية خطأ بل سمة من سمات النظام الجديد. بين المخزونات المتزايدة اليوم من الديون الخاصة والعامة "كحصة من الناتج المحلي الإجمالي" والالتزامات الضخمة غير الممولة للضمان الاجتماعي والأنظمة الصحية، يواجه كل من القطاعين الخاص والعام مخاطر مالية متزايدة. وبالتالي، فإن البنوك المركزية عالقة في "فخ الديون": أي محاولة لتطبيع السياسة النقدية ستؤدي إلى ارتفاع أعباء خدمة الديون، ما سيؤدي إلى حالات إفلاس ضخمة، وأزمات مالية متتالية، وتداعيات في الاقتصاد الحقيقي.
مع عدم قدرة الحكومات على خفض الديون والعجز المرتفعين عن طريق إنفاق أقل أو زيادة الإيرادات، فإن أولئك الذين يمكنهم الاقتراض بعملتهم الخاصة سيلجأون بشكل متزايد إلى "ضريبة التضخم"، الاعتماد على نمو الأسعار غير المتوقع للقضاء على الالتزامات طويلة الأجل بمعدلات ثابتة.
وهكذا، كما حدث في السبعينيات من القرن الماضي، ستتحد صدمات العرض السلبية المستمرة والمتكررة مع السياسات النقدية والمالية والائتمانية المتساهلة لإنتاج الركود التضخمي. علاوة على ذلك، فإن معدلات الديون المرتفعة ستوجد الظروف لأزمات الديون المصحوبة بركود تضخمي. خلال فترة الركود التضخمي الكبير، ستعاني السندات طويلة الأجل والأسهم الأمريكية والعالمية، ما قد يؤدي إلى تكبد خسائر فادحة.
خاص بـ"الاقتصادية"
بروجيكت سنديكيت، 2022.