مقتطفات ابتكارية «الكائنات الروبوتية» «1 من 2»
يرتبط الابتكار بالمعرفة والفضول والخيال والتقييم، وكلما زادت قاعدة معرفتك ومستوى فضولك، زادت لديك الأفكار والأنماط والتوليفات، التي يمكنك السعي إلى تحقيقها، التي ترتبط بعد ذلك بإنشاء مشاريع من منتجات وخدمات جديدة ذات طابع ابتكاري متميز. ولفهم العلاقة بشكل أكبر، هناك ثلاثة مستويات للابتكار، تبدأ بالبحث والاكتشاف، ثم الاختراع والتطوير، ثم التنفيذ والتطبيق. وفي واقعنا اليوم، نجد عالم التكنولوجيا في تطور سريع ومستمر، وكثير من الابتكارات تعدى حواجز الإبداع إلى أن أصبحت ابتكارات نوعية ومميزة تفوق الخيال. من هذه المقتطفات الابتكارية النوعية والإبداعية - على سبيل المثال - الكائنات الروبوتية، ومنها: الحشرات الإلكترونية أو الحشرات الروبوتية Robotic Insect، وروبوتات السوائل Fluid Robots، والطيور الإلكترونية Electronic Birds، وغيرها، التي بدأ تطويرها بعدة طرق إبداعية حتى أصبحنا نراها بأشكال وأحجام متنوعة مع اختلاف وتنوع تطبيقاتها. واخترت مقال اليوم ليكون الحديث عن بعض من هذه النماذج من هذه الابتكارات، وكيف استطاع العلماء والباحثون في كبار مراكز الأبحاث العالمية تطويرها لتضاهي الكائنات من حشرات وحيوانات وغيرها سواء كانت مألوفة لدينا أم لا، وكيف تم تسخير هذه الابتكارات بطرق إبداعية للقيام بمهام وخدمات عامة وخاصة، وأصبحت تشكل مستقبلا اقتصاديا واعدا لتشمل كثيرا من القطاعات المدنية والدفاعية على حد سواء.
لا شك أن ابتكار الروبوتات على اختلاف أشكالها وأحجامها شيء عظيم جدا، خصوصا إذا ما استخدمت في أغراض تطبيقية تفيد البشرية، كاستخداماتها المدنية في الأغراض الطبية، وفي قطاع النقل والاستكشاف وحماية المحاصيل الزراعية وغيرها، إضافة إلى استخداماتها العسكرية سواء كانت لأغراض دفاعية أو أمنية، كالاستطلاع والمراقبة والرصد والتتبع والحماية وغيرها. وشأن هذه الروبوتات كشأن غيرها من الأجهزة الإلكترونية الأخرى عند بدء عملها تحتاج إلى طاقة، وهذه إما أن تكون - كما هي العادة - من خلال الكهرباء أو البطاريات، إلا أن ذلك يجعلها محدودة بزمن وجهد معين، ما يجعل هذه الابتكارات محدودة الفاعلية المطلقة، ولذا كان هناك عديد من الطرق الإبداعية التطويرية والمحاولات لكثير من العلماء الباحثين والمهندسين، استمرت لعدد من الأعوام، هدفها صنع روبوتات يمكنها العمل بشكل مستقل ومستمر، دون مدخلات كهربائية فعلية، وبالفعل تحقق جزء من هذا الهدف، حيث أعلن أخيرا لعدد من العلماء والباحثين المختصين بعلم السوائل والهندسة والمواد في المختبر الوطني لورانس بيركلي Berkeley Lab التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، بالتعاون مع جامعة ماساتشوستس أمهيرست University of Massachusetts Amherst في أمريكا، تطويرهم وتصميمهم نظام روبوتات سائلة يبلغ قطرها ملليمترين اثنين فقط، أطلق عليها اسم الروبوتات السائلة الصغيرة Tiny Liquid Robots، يمكنها العمل بشكل مستقل دون الحاجة إلى طاقة كهربائية، وذلك عن طريق المعالجة بوساطة الخصائص الكيميائية، وبإمكانات وخصائص مختلفة، على سبيل المثال، يمكن لبعض السوائل أن تكتشف أنواعا مختلفة من الغازات في البيئة، بينما يتفاعل البعض الآخر مع أنواع معينة من المواد الكيميائية، كما يمكن استخدامها في القطاع الطبي في التطبيقات السريرية وغيرها. الجدير بالذكر أن هذا العمل يتلقى الدعم من مكتب العلوم التابع لوزارة الطاقة الأمريكية، ومكتب أبحاث الجيش الأمريكي DoD، كما هو معلن في موقع المركز الوطني للأبحاث والخاص بهذا البرنامج. ومن الأمثلة الأخرى كذلك، ابتكار الروبوت المغناطيسي الذي تم الإعلان عنه أخيرا، وانتشر انتشارا واسعا في الأوساط العلمية وغيرها، حيث قامت بتطويره وتصميمه مجموعة من الباحثين في جامعة هونج كونج University of Hong Kong الصينية، تم استخدام مواد كيميائية في التصميم ودمجها مع جزيئات مغناطيسية، ما يجعله مزيجا يتم التحكم فيه باستخدام مغناطيس خارجي، ويندرج هذا الابتكار تحت مسمى روبوتات السوائل، والعمل جار في المراكز البحثية لتطويره بشكل أكبر ليتم تطبيقه والاستفادة منه في عدة قطاعات، منها المدنية كالصحة "في العمليات الجراحية" وغيرها، وكذلك الدفاعية والأمنية بتطبيقاتها المختلفة.
ونجد كذلك أن مجال البحث والتطوير والابتكار في مجال الروبوتات الإلكترونية في تطور مستمر وبطرق أكثر إبداعا، من خلال ما نشاهده من ابتكارات وتصاميم فاعلة تتم من خلال مراكز الأبحاث والجامعات الكبيرة، مثل جامعتي هارفارد وكامبريدج وغيرهما، حيث تم هذا النجاح من خلال إشراك مجموعة متكاملة من تخصصات متعددة تتكون من مجموعة من المهندسين الكهربائيين وعلماء الحيوان وعلماء الأحياء العصبية وعلماء الإنترنت والذكاء الاصطناعي وغيرهم، فأصبحنا نرى ابتكارات أكثر تطورا، خصوصا في تصنيعها، حيث شمل ذلك الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة MEMS وأجهزة الاستشعار منخفضة الطاقة، وأنظمة الشبكات العصبية والرادار التي تتيح لها التنقل والتمييز بين الأشكال والأشياء، واكتسبت بذلك قيمة ذات جدوى من الناحيتين الاقتصادية والدفاعية وبطرق شتى.
ويبدو لي أن جيل التقنية الجديد خلال الأعوام العشرة المقبلة، هو جيل الروبوتات المتنوعة وصناعتها بتطبيقاتها المختلفة، التي تشمل قطاعات متعددة "الطبية والزراعية والحياة الفطرية والأمنية والدفاعية"، وأن الاستثمار في مثل هذه الابتكارات النوعية المميزة والانطلاق من حيث انتهى الآخرون، أصبح ضرورة ملحة لنتمكن من المنافسة وتسلم زمام الريادة في هذا المجال البحثي والتصنيعي المثمر، وذلك من خلال توجيه المراكز البحثية الوطنية في الجامعات لدينا والهيئات في القطاع المدني والمعينة بالبحث والتطوير والابتكار، بالعمل على تطوير مثل هذه الابتكارات بما يخدم احتياجاتنا الضرورية، خصوصا أن مملكتنا تعد من أكبر الدول من حيث المساحة، فالاحتياج يشمل أن يكون لدينا روبوتات مصممة محليا بتقنيات عالية للعمل في مجال الزراعة والمحميات مثلا ومراقبة خطوط الأنابيب والمناطق الحساسة وفي المجال الطبي وغيرها، وتطوير المجال الدفاعي والأمني من خلال الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، حيث يتم توجيه المراكز البحثية والتصنيعية ودعمها ليكون لدينا اكتفاء ذاتي بصناعة محلية متطورة لمثل هذه التقنيات والابتكارات تخدم هذا المجال. ولعلي أستكمل الحديث عن أنواع أخرى من هذه الابتكارات الروبوتية، مثل الروبوتات الحشرية والطيور متعددة الاستخدام ودورها الدفاعي والاقتصادي في المقال المقبل... يتبع.