مقتطفات ابتكارية «الكائنات الروبوتية» «2 من 2»
كثير من الشركات ورواد الأعمال أدركوا أن الابتكار هو السبيل الوحيد لتحقيق الريادة وضمان الاستمرارية والاستدامة، حيث إن هناك كثيرا من الأمثلة لعديد من الشركات الريادية التي تقدمت اقتصاديا بسبب ابتكاراتها، إلا أنها لم تتطور مع مرور الزمن، ولذا لم تستطع الاستمرار في حقل المنافسة لتوقفها عن التطوير وتغيير استراتيجياتها مع المعطيات المتغيرة باستمرار، التي تتطلب تطوير مبتكراتها بطرق إبداعية لتحقيق التنافسية والبقاء في الساحة، كما أصبحت الابتكارات النوعية المميزة مقياسا للتطور بين كبرى الدول، وغدت ميدانا شاسعا للمنافسة، لتعدد أنواعها وتطبيقاتها المختلفة.
وذكرت في مقالات سابقة مقتطفات لهذه الأنواع، وأنها تعدت حواجز الإبداع في التفوق والتميز بطرق أكثر إبداعا، وفي هذا المقال نستكمل التعرف على أنواع أخرى من هذه الابتكارات الروبوتية التي أصبح لها تأثير ملموس في كثير من المناشط الحياتية، سواء كانت المدنية منها أو العسكرية "الدفاعية والأمنية"، ومن هذه الأنواع روبوتات الحشرات الإلكترونية أو الحشرات الروبوتية Robotic Insect، والطيور الإلكترونية Electronic Birds، وغيرها متعددة الاستخدام، وكيف أصبح لها تأثير مباشر وغير مباشر من الناحية الاقتصادية.
اليوم أصبحنا نرى مثلا ابتكارات طائرات دون طيار "الدرونز" واستخداماتها المختلفة تتطور أخيرا بطرق أكثر إبداعا، بما يماثلها من الروبوتات الحشرية الأكثر تطورا في تصنيعها، كما ذكرت ذلك في مقالي السابق، حيث أنتج عدد من التقنيات الإلكترونية بالغة الدقة والأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة والخوارزميات المتطورة وأنظمة الذكاء الاصطناعي والحساسات والرادارات المتطورة متناهية الدقة وأنظمة الشبكات العصبية، وبلغ الإتقان في دقة التصميم وفي حجمها الصغير وخفة الوزن، وبالتالي فهي في الواقع أصغر طائرة آلية دون طيار قادرة على الطيران Insect Drones، وكذلك ابتكار روبوت دقيق ذاتي الطيران RoboBees، فكرته مستوحاة من خصائص الحشرات، يتميز بصغره وخفة وزنه، حيث يبلغ حجمه 175 ملليجراما، ويستطيع بدقة تصميمة الطيران والسباحة في الوقت نفسه، ويعد أحد إبداعات ونتائج معهد أبحاث Wyss في جامعة هارفارد في الولايات المتحدة، وله عدة استخدامات متعددة منها - على سبيل المثال - في الزراعة كتلقيح المحاصيل، وعمليات البحث والإنقاذ، ومراقبة الطقس والمناخ والبيئة، وغيرها.
وتطورت هذه الابتكارات بشكل أكثر إتقانا، من ذلك أيضا - على سبيل المثال - برنامج الأنظمة الكهروميكانيكية الدقيقة الهجينة المقترنة بالكائنات الحية والخاص بوكالة مشاريع الأبحاث الدفاعية المتقدمة الأمريكية DARPA، الذي بدأ منذ زمن، ويعتمد هذا البرنامج على الكائنات مثل الحشرات، ولتبسيط الفكرة بشكل أفضل، لا يبدأ بناء الروبوت الحشري من الصفر، بل يتم في ذلك استخدام الحشرة نفسها كآلة للطيران، وبالتالي يتم تجنب الحمال الثقيلة كالبطاريات وغيرها، ولا يتطلب الأمر سوى دوائر إلكترونية يتم زرعها وتوصيلها بنظامها العصبي لغرض التحكم وتصبح طائرة شبه ميكانيكية أي نصف آلة ونصف حشرة، لذا ظهر ما يسمى الروبوتات الحشرية.
واستطاع الباحثون تصميم دوائر إلكترونية لزرعها بأوزان لا تكاد لا تذكر على نوع معين من الحشرات بجهازها العصبي، وبالتالي يتم التحكم في سلوكها عن طريق إرسال أوامر الكمبيوتر "بخوارزميات معقدة تشمل أنظمة الذكاء الاصطناعي" من خلال أجهزة الإرسال لا سلكيا إلى أجهزة الاستقبال بالحشرة نفسها، وما زال البحث والتطوير والابتكار في هذا المجال مستمرا، حيث يعكف الباحثون في هذا البرنامج على تطوير تصاميمه المعقدة لتشمل النحل والجراد والفئران والحمام، وبالتالي يمكن استخدامها في تطبيقات مختلفة عسكرية سواء هجومية أو دفاعية أو أمنية، مثل الكشف عن المتفجرات أو المراقبة وجمع معلومات وغيرها "بالطبع يعتمد ذلك على نوع الحساس المزروع".
إضافة إلى عالم الإبداعات في ابتكار الحشرات الربوتوية أصبحنا نرى كثيرا من الإبداعات في ابتكار الطيور الروبوتية، من ذلك - على سبيل المثال لا الحصر - ما قام به فريق من المهندسين في جامعة ستانفورد Stanford University الأمريكية، بابتكار مستوحى من صفات صقور الشاهين، يمكنه الإقلاع والهبوط والإمساك بالفروع تماما، مثل الطيور الحقيقية حتى التقاط الأشياء في الهواء، وهو عبارة عن قابض جوي Stereotyped Nature-inspired Aerial Grasper: SNAG، يتكون تصميمه من هيكل عظمي مطبوع بتقنية ثلاثية الأبعاد، طائرة دون طيار رباعية المروحية، إضافة إلى الكاميرات وأجهزة الاستشعار، ويمكن استخدامه في عمليات المراقبة كمراقبة الحياة الفطرية والبرية كمراقبة المحميات وغيرها، في الواقع يوجد كثير من التصاميم التي يقوم بها العلماء في عديد من قطاعات البحث والتطوير والابتكار شملت تصماميم أكثر دقة وشمولية لعدد من الحساسات الإلكترونية تشمل الرادارات وأنظمة رصد المواقع وغيرها، وتستند على الغاية والغرض المراد من تطبيقها.
لذا أصبحت لهذه الابتكارات قيمة فاعلة، خصوصا في المجالات العسكرية وفي الأمن والحماية وغيرها من المجالات المدنية كذلك، ساعد على ذلك صغر ودقة حجمها وصعوبة القدرة على اكتشافها وخفة وزنها، كل ذلك جعل منها ابتكارات تقنية واعدة من الناحيتين الاقتصادية والدفاعية بطرق مختلفة.
وفي ظل الدعم السخي من قبل الحكومة السعودية لقطاع التعليم والبحث والتطوير والابتكار، أرى التركيز واستفادة الجهات المعنية لدينا من هيئات وجامعات ومراكز بحثية وتطويرية وتصنيعية من منطلقات وأهداف واستراتيجيات هذه الابتكارات العالمية والخبرات المتعددة في هذا المجال المهم، حيث بات من الضرورة تعليم وتصنيع هذه الابتكارات الجديدة، وذلك يتطلب التركيز في اتجاهات ومخرجات التعليم في البحث والتطوير والابتكار والتطوير في جميع المجالات، ولا سيما الأمني والدفاعي والصناعي، وذلك ليتوافق مع الاحتياجات الفعلية، وضمان أن تكون هناك منتجات ذات قيمة فعلية واعدة تتم الاستفادة منها محليا كمرحلة أولى، ثم المنافسة بها دوليا كمرحلة لاحقة، كل ذلك سيحقق توجهات القيادة الحكيمة في تعزيز المحتوى المحلي والصناعات الوطنية ومستهدفات رؤية المملكة 2030، ببناء اقتصاد تنافسي معرفي مستدام مبني على الابتكار.