دور الابتكار في تعزيز صناعة التمور عالميا
التميز في عالم الابتكارات وفي قطاع التصنيع، وتحقيق علامة مميزة هو أحد العوامل المهمة في بناء استثمار واعد ومستدام وقابل لتحقيق صدارة ومنافسة اقتصادية عالمية، ولا شك أن ذلك يعتمد على عدة عوامل سبق أن تطرقت إلى بعض منها بإيجاز، وذكرت ذلك في سلسلة من المقالات السابقة، بعنوان: «كيف نستثمر في الابتكار» (1 من 4)، ولا شك أن توافر المصادر Resources، يعد من أحد العوامل المهمة والمساعدة على تحقيق ذلك. ومن المصادر التي حبا الله بها مملكتنا الغالية، توافر أشجار النخيل المنتجة لعديد من أنواع التمور وغيرها، وبالتالي سيكون محور حديث مقالنا اليوم عن كيفية استثمار هذا المورد بطريقة استثمارية ذات جدوى، وتعزيز ذلك، وجعله إحدى العلامات الابتكارية المميزة للمملكة عالميا.
في عالم الزراعة تعد أشجار النخيل Palm Tree، من أنواع النباتات ذات الفصائل المزهرة ولها مسمى علمي Phoenix، وهي تتأثر بشكل كبير بنوعية التربة والظروف الجوية في المناطق التي تزرع فيها، ولذا نجد أن منها أنواعا متعددة ومختلفة في الشكل والطعم والنكهة، ومنها على سبيل المثال: البرحي، الخلاص، السكري، المجدول، العجوة، الصقعي، الهلالي، المكتوم، العنبري، الشيشي، الخضري، السلجي، الصفاوي، أو ما يسمى نبتة السيف وغيرها، ولها فوائد متعددة سواء على مستوى الإنسان وصحته أو على مستوى البيئة والمحيط التي توجد فيها أو فوائد تجارية اقتصادية، فعلى مستوى الصحة يوجد في ثمار النخيل "الرطب والتمر" بأنواعه المتعددة عديد من الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية والمفيدة لجسم الإنسان وصحته وأثبتت فاعليتها من الناحية الصحية، حيث لها دور فاعل في الوقاية من بعض الأمراض أو معالجتها، ومن ناحية الفوائد البيئية، فأشجار النخيل تختلف عن غيرها من الأشجار، بأن ليست لها مخلفات، وإن كانت فهي قليلة، وتعطي جمالا طبيعيا خلابا في أماكن زراعتها، وتساعد على التقليل من تلوث الهواء، وعلى منع التصحر من خلال استخدامها في مقاومة الزحف الصحراوي. ويستخدم بعض من أنواع أشجار النخيل كأشجار زينة ولها أنواع متعددة ومختلفة في هذا المجال. كما أن بعضا من أجزاء النخيل مثل الجريد والسعف "الأوراق" يستخدم في صناعة الأثاث والحبال وغيرها من الصناعات المفيدة. وأصبحت أشجار النخيل تزرع على نطاق واسع في جميع أنحاء العالم. مثل: تونس ومصر والجزائر وإيران والإمارات والعراق وباكستان والسودان وعمان وأستراليا وغيرها، كما يشير إلى ذلك عديد من الإحصائيات والتقارير العالمية، مثل إحصائيات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة Food and Agriculture Organization of United Nations: FAO، ويشير إلى وجود نحو 360 نوعا من أشجار النخيل على مساحة إجمالية على مستوى العالم تقدر بأكثر مليون هكتار وبإنتاج سنوي يفوق ثمانية ملايين طن، ومن المتوقع أن يزداد الاستهلاك العالمي للتمور بنسبة تبلغ نحو 4.5 في المائة خلال الفترة 2021 ـ 2025، ويعد من الأسواق الرائدة من حيث الاستهلاك، وهو مهيأ لتحقيق نمو كبير كأحد أفضل المنتجات الغذائية الصحية.
وتنتشر أشجار النخيل بأعداد كبيرة جدا وبنسب متفاوتة في عدد من مناطق المملكة، خصوصا في الرياض والمدينة المنورة والمنطقة الشرقية، حيث توجد فيها أكبر واحة للنخيل على مستوى العالم في الأحساء تضم نحو ثلاثة ملايين من أشجار النخيل موزعة على 30 ألف هتكار، وجنوب المملكة، والقصيم التي فيها أكبر مزرعة للنخيل في العالم، حيث تبلغ مساحتها 5466 هكتارا وتضم ما يقارب 45 نوعا من أشجار النخيل، دخلت بذلك في موسوعة جينيس للأرقام القياسية. وأصبحت أشجار النخيل أحد معالم دولتنا البارزة لكثرتها وتعدد أنواعها مقارنة بالدول الأخرى، حيث تشير التقارير الإحصائية المنشورة من المركز الوطني للنخيل والتمور، إلى أنه بلغ إجمالي أعداد النخيل 31.234.153 نخلة. وتهتم الدولة - رعاها الله - بهذا القطاع الزراعي وتوليه رعاية فائقة من خلال وزارة البيئة والزراعة والمياه والمركز الوطني للنخيل، وذلك بهدف تطوير واستدامة قطاع النخيل من خلال إشراك التقنيات الحديثة المتكاملة وتحقيق الكفاءة الإنتاجية، لتغطية الاحتياج المحلي، والقدرة على إيجاد قدرات تنافسية على المستوى العالمي.
وأرى أن دور الابتكار في تعزيز صناعة التمور عالميا يكمن في اتجاهين: الأول، في إدخال التقنيات النوعية المبتكرة في المحافظة على سلامة وصحة أشجار النخيل من جميع الحشرات مثل السوسة الحمراء، والآفات المسببة في تهالكها وضعف إنتاجيتها، خصوصا أنه توجد لدينا مزارع عديدة منتشرة على مساحات شاسعة، ومن تلك التقنيات والابتكارات النوعية - على سبيل المثال - أنظمة المراقبة الإلكترونية، وتشمل زراعة الحساسات الإلكترونية المتكاملة مع أنظمة الذكاء الاصطناعي والاتصالات اللاسلكية وغيرها في هذه الأشجار، لمراقبتها ومتابعة سلوكها وأنماطها وحمايتها من التلف في الوقت المناسب. والاتجاه الآخر، يكون حول الاستفادة من تصنيع منتجات هذه الأشجار ومخلفاتها بطرق أكثر ابتكارية، ولعل أقرب الأمثلة على ذلك ما قامت به شركة بتيل الدولية، ومقرها الأساس في الرياض، كونها إحدى الشركات الرائدة في صناعة التمور، من إدخال كثير من الإبداعات والابتكارات المتجددة في صناعة التمور لتشمل منتجاتها، إضافة إلى إدخال الشوكولاتة بالتمر، وخل التمر البلسمي وعصير التمر ذي النكهات وعصير التمر الفوار وغيرها. ولعل توجيه ودعم المراكز البحثية والباحثين والشركات الناشئة ورواد الأعمال في هذا المجال، من خلال الهيئات والجهات المعينة وغيرها مثل صندوق الاستثمارات العامة Public Investment Fund: PIF، لإنشاء شركات داخلية مع أصحاب المزارع وشراكات خارجية تعنى بمنتجات التمور وتطويرها، ما سيعزز إيجاد فرص استثمارية اقتصادية وابتكارات ريادية رائعة، وسيعزز ذلك أيضا تطوير صناعة هذا المنتج لدينا والوصول به إلى الصدارة العالمية.