الجامعات ومسألة ريادة الأعمال «2 من 2»

تحدثنا في المقال السابق عن فوائد الجامعات وأثرها في المجتمع، وتم التركيز، في ذلك، على اهتمام الجامعات بريادة الأعمال، وتوجيه الناشئة نحو الإبداع والابتكار، وإطلاق المؤسسات والأعمال الرائدة التي تؤدي إلى توليد الثروة، وتشغيل اليد العاملة، والإسهام في التنمية. وفي هذا المجال، أبرز المقال تقريرا حول الموضوع، صادرا عن كل من "المفوضية الأوروبية EC" و"منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD". ويحمل التقرير عنوانا يقول "دليل عمل لجامعات ريادة الأعمال".
يطرح التقرير متطلبات جامعات ريادة أعمال، ويضع هذه المتطلبات في إطار سبعة موضوعات. يرتبط الموضوع الأول "بقيادة الجامعة وشؤون حوكمتها". ويهتم الثاني بمتطلبات "الإمكانات التنظيمية للجامعة وعلاقاتها مع الآخرين". ويركز الثالث على متطلبات "تطوير ريادة الأعمال في التعليم والتعلم". ويبين الموضوع الرابع متطلبات "المسارات التي يفترض أن يسلكها رواد الأعمال". ثم يطرح الخامس متطلبات "علاقات الجامعة الخارجية وتعاونها المعرفي مع مؤسسات الأعمال". ويعطي الموضوع السادس متطلبات "تعزيز موقع الجامعة كمركز دولي"، ثم يناقش الموضوع السابع أخيرا مسألة "قياس أثر جامعة ريادة أعمال".
استعرض المقال السابق متطلبات موضوعي "استراتيجية الجامعة، وشؤونها التنظيمية وعلاقاتها مع الآخرين". وسنستكمل في هذا المقال طرح متطلبات باقي الموضوعات. ونبدأ بالموضوع الثالث الخاص "بتطوير ريادة الأعمال في التعليم والتعلم". يهتم أول متطلبات هذا الموضوع ببناء توجه عام في الجامعة يرتكز على تحفيز عقلية ريادة الأعمال، واكتساب المهارات المرتبطة بها، والعمل على دعمها وتطويرها. ويرى المتطلب الثاني ضرورة تركيز نشاطات أعضاء هيئة التدريس التعليمية على التوجه نحو الابتكار وريادة الأعمال، وحثهم على ابتكار أساليب تعليمية متجددة حول هذا الموضوع.
يقضي المتطلب الثالث، لموضوع التطوير المنشود، بدعم التوجه نحو مسار ريادة الأعمال ابتداء من التوعية، وإيجاد الأفكار وتطويرها، ثم العمل على تنفيذها. ويركز المتطلب الرابع على توثيق الجامعة لمخرجات تعلم مهارات ريادة الأعمال. ثم يأتي المتطلب الخامس، ليطرح الحاجة إلى التعاون مع المهتمين، ومع جهات خبيرة، من خارج الجامعة من أجل دعم تطوير ريادة الأعمال في التعليم والتعلم. ويبرز المتطلب السادس، أخيرا، ضرورة السعي نحو نقل نتائج البحث العلمي إلى نشاطات ريادة الأعمال.
وننتقل إلى متطلبات الموضوع الرابع الخاص "بمسارات رواد الأعمال"، حيث يضم هذا الموضوع سبعة متطلبات. يرتبط أول هذه المتطلبات بالحاجة إلى توعية الجميع، أساتذة وطلابا، بشأن أهمية تطوير القدرات اللازمة لريادة الأعمال، والقيمة التنموية المؤثرة التي تنتج عن هذا التطوير. ويتقدم المتطلب الثاني على سابقه خطوة إلى الأمام وذلك عبر تشجيع الجميع على أن يصبحوا روادا للأعمال. ويمضي المتطلب الثالث قدما خطوة أخرى تقضي بإتاحة فرص لريادة الأعمال أمام الأساتذة والطلاب. ثم يخطو المتطلب الرابع خطوة تالية تتمثل في دعم من تحرك نحو ريادة الأعمال بفكرة، لكي ينتقل بها إلى مرحلة التنفيذ.
ويهتم المتطلب الخامس، بعد ما تقدم، بإيجاد مراقبة خبيرة وداعمة لما يجري من نشاطات، أكاديمية ومهنية بهدف توثيقها وتوجيهها نحو تعزيز ريادة الأعمال. ثم يدعو المتطلب السادس إلى مزيد من الدعم، من خلال تمكين الجامعة من تقديم الدعم المالي لرواد الأعمال الواعدين. ويدعو المتطلب السابع إلى المزيد، عبر توفير إمكانية توجه نشاطات ريادة الأعمال نحو حاضنات الأعمال التي تهتم برعاية مسيرتها نحو النجاح.
ونأتي إلى الموضوع الخامس الذي يطرح متطلبات "علاقات الجامعة الخارجية و تعاونها المعرفي مع مؤسسات الأعمال". ولهذا الموضوع ستة متطلبات، تبدأ بالتزام الجامعة بشؤون التعاون والتبادل المعرفي مع المجتمع، ومع مؤسسات القطاعين العام والخاص. ثم يقضي المتطلب الثاني بانخراط الجامعة بشراكات وعلاقات خارجية مع نطاق واسع من المهتمين، يعزز قدرتها على تفعيل نشاطات ريادة الأعمال المنشودة. ويهتم المتطلب الثالث بمزيد في هذا المجال، حيث يركز على العلاقات مع حاضنات الأعمال وحدائق التقنية التي تدعم هذه النشاطات.
يؤكد المتطلب الرابع، لهذا الموضوع، سعي الجامعة إلى تمكين الأساتذة والطلاب من المشاركة في نشاطات ريادة الأعمال الخارجية. ويمضي المتطلب الخامس قدما في هذا المجال ليقضي بالسماح للأساتذة والطلاب بالعمل الخارجي، ضمن بيئة أكاديمية مهنية مشتركة. ثم يبرز المتطلب السادس ليتطلع إلى تكوين بيئة معرفية تتفاعل فيها النشاطات التعليمية والبحثية والمهنية في إطار داعم لريادة الأعمال والإسهام في التنمية.
يشمل الموضوع السادس خمسة متطلبات تتعلق "بتعزيز مكانة الجامعة كمركز دولي". يرى المتطلب الأول ضرورة أن يكون التصور الدولي جزءا من استراتيجية الجامعة بشأن ريادة الأعمال. ويقضي المتطلب الثاني بدعم الجامعة لبرامج التحرك الدولي للأساتذة والطلاب التي تفتح آفاقا واسعة للجامعة. ويركز المتطلب الثالث على توجه الجامعة نحو استقطاب خبراء عالميين في ريادة الأعمال. ثم يهتم المتطلب الرابع بإعطاء هوية عالمية لنشاطات التعليم المتبعة. ويشجع المطلب الخامس على المشاركة الفاعلة في الشبكات المعرفية العالمية.
ونصل إلى الموضوع السابع الخاص بقياس أثر الجامعة الذي يشمل خمسة متطلبات، أولها تقييم أثر استراتيجية ريادة الأعمال، وقدرتها على الاستجابة للمتغيرات. أما المتطلب الثاني فيختص بتقييم مدى تنفيذ توجه ريادة الأعمال في التعليم والتعلم. ويأتي المتطلب الثالث ليكمل الموضوع، ويهتم بأثر هذا التعليم والتعلم. ثم يبرز المتطلب الرابع ليركز على وجود مراقبة وتقييم دوري لنشاطات الجامعة في مجال التبادل المعرفي. ويهتم المتطلب الخامس أخيرا بوجود مراقبة وتقييم دوري لأثر دعم الجامعة لمؤسسات الأعمال المبتدئة التي تفرزها ريادة الأعمال.
وهكذا نجد أن هناك، في إطار الموضوعات السبعة، "41 متطلبا" على الجامعات أن تسعى إلى تحقيقها، إذا كانت ترغب في التوجه نحو ريادة الأعمال، والإسهام في التنمية. وقد تكون بعض هذه المتطلبات منفذة فعلا، ربما كليا أو جزئيا، في بعض الجامعات، لكن المأمول هو أن يتم تنفيذها بالكامل، بل أن تضاف إليها متطلبات أخرى، تتوافق مع متغيرات العصر والبيئة المحلية. فمسيرة المعرفة والتنمية والتقدم تسير في قطار سريع لا بد من مواكبته، بل الإسهام أيضا في تعزيز المعطيات التي يحملها.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي