منظومة الابتكار عبر منصة موحدة

أصبحنا يوما بعد يوم ندرك أهمية الابتكارات النوعية كعامل استراتيجي للقدرة التنافسية والصدارة وأهمية ذلك في التنمية الشاملة، سواء كانت تلك التنمية اقتصادية أو اجتماعية أو تعليمية أو كقوة دفاعية عسكرية، وارتباط ذلك بضرورة التقدم التكنولوجي، وعلى الرغم من وجود عديد من الدراسات المتنوعة والمتعلقة بمسألة كيفية إدارة منظومة الابتكارات النوعية، إلا أنه لا يزال هناك نقص في تلك الدراسات المتعلقة بهيكلة وحوكمة تلك المنظومات وطرق إدارتها الإدارة الإبداعية التي تكون على نطاق واسع، بحيث تختصر الإجراءات وتحقق الفاعلية، وذلك من خلال ربط مسارات تلك المنظومات المتعددة بشبكة موحدة، ولذا سيكون محور موضوع حديثنا في هذا المقال هو عبارة عن مقدمة حول كيفية تكامل طرق ومسارات الابتكارات النوعية بأنواعها وتطبيقاتها المختلفة، وفوائد ذلك في توجيه وتركيز الجهود نحو بيئة ابتكارية تكاملية موحدة.
ما زال في كثير من المجتمعات والأعمال ينظر إلى الابتكارات بنظرة تقليدية، وهي أن هذه الابتكارات شيء يحدث، وبشكل خاص، في كراجات ومختبرات البحث والتطوير فقط، لكن في الواقع، من المهم جدا فهم الابتكارات على أنها منظومة متكاملة، وأنها جزء لا يتجزأ من نظام شبكي يشمل جميع المؤسسات الاقتصادية والسياسية والدفاعية وغيرها من المؤسسات الاجتماعية والتعليمية. يلحظ المتتبع لمؤشر الابتكار العالمي في هذا العام، أن سويسرا تحتل المرتبة الأولى في نوعية الاقتصاد الذي يعد الأكثر ابتكارا في العالم، وتليها في المرتبة الثانية الولايات المتحدة، وعند دراسة مثل هذه الأمثلة المتطورة في هذه الدول التي أصبحت في صدارة التنافس، وتعد نماذج يشار إليها بالبنان في مسيرة الابتكار والبحث والتطوير، سيجد الباحث أن سر نجاح مسيرة الابتكار في كل من هذه الدول يجتمع في وجود البيئة والهيكلة التنظيمية التكاملية المترابطة، فمثلا أوجدت سويسرا، للابتكار نظاما بيئيا متكاملا أطلق عليه سويسرا للابتكار من خلال ستة مواقع منتشرة في أنحاء الدولة تربط الشركات سواء كانت المحلية منها أو الدولية مع الجامعات هناك ومؤسسات التعليم العالي لتبادل الأفكار بين العلماء الباحثين والموهوبين ورجال الأعمال المبتكرين، وإتاحة الفرص لاستخدام نتائج الأبحاث في تطوير منتجات فاعلة وخدمات جديدة قابلة للتسويق، وبالتالي حققت اقتصادا مزدهرا ومستداما واحتلت المرتبة الأولى في ذلك لمدة 12 عاما متوالية.
وكمثال آخر، إن الولايات المتحدة تقوم على دعم الأبحاث الجامعية من خلال عدد من الوكالات، بما في ذلك وزارة الدفاع الأمريكية ووزارة الطاقة الأمريكية ووكالة المعاهد الوطنية للصحة، وذلك في سبيل مساعدة هذه الوكالات على أداء مهامها وتحقيق أهدافها الاستراتيجية، حيث يتم طرح المقترح البحثي للتطوير والبحث والابتكار، ويتم التقديم على ذلك من قبل الجامعات والمراكز البحثية التطويرية ذات العلاقة من خلال منصة معدة لذلك الهدف، حيث يتم الاطلاع عليها من جميع الباحثين ويتم التنافس في تطوير وبحث هذه المقترحات والمشكلات لإيجاد حلول إبداعية مبتكرة لها، وذلك يوجد بيئة بحثية تنافسية واقتصادية يشارك فيها جميع المهتمين والمطورين من شركات خاصة وهيئات حكومية ومراكز بحثية، وتكون العملية تنظيمية متجانسة وتحت إشراف واطلاع من أصحاب القرار ومن الهيئات التشريعية.
وفي بلادنا اليوم، يوجد لدينا عديد من المراكز المعنية بالبحث والتطوير والابتكار في كثير من الجهات، مثل الجامعات الحكومية والخاصة، وفي كثير من الشركات والهيئات والمصانع والمدن الصناعية، كل في تخصصه، وعلى الرغم من أننا تحدثنا في مقالات سابقة عن أهميه التكامل بين القطاعات المختلفة والهيئات الحكومية والقطاع الخاص، إلا أن عملية ربط هذه الابتكارات النوعية على اختلاف تطبيقاتها أصبح ضرورة ملحة، ويحتاج ذلك إلى أن تكون هناك منصة وطنية، بحيث تكون فائدة هذه المنصة الإلكترونية أنها تربط العلماء من الباحثين والمبتكرين والموهوبين مع قطاع الأعمال ومع الهيئات الإشرافية وكذلك الوزارات ذات العلاقة، وتكون هناك قاعدة بيانات لكل الأبحاث الحالية والابتكارات، وكذلك طرح مشكلات كل جهة وتشمل متطلبات تطوير الأعمال لديها، بحيث يتوافر للمهتمين من الباحثين والجامعات والمراكز البحثية التطويرية وسيلة تواصل واحدة مرتبطة بهذه المنصة، فعلى سبيل المثال في المجال الدفاعي مثلا، يتم ربط جميع الابتكارات والأبحاث المعنية بمجال الدفاع وربطها مع الشركات والمصانع المصنعة، مثل الشركة السعودية للصناعات العسكرية وغيرها في التخصص ذاته، وتكون تحت إشراف الهيئة العامة للتطوير الدفاعي، وتشمل أيضا كل المبادرات التي تطرح لهذا الغرض مع عدم إغفال أهمية الجانبين الأمني والتنظيمي في ذلك ومن له حق الدخول والاطلاع على بيانات هذه الشبكة، وبالتالي تكون هنالك عملية تجانس وتعاون مشترك وتوحيد وموازنة للجهود بين كل الجهات ذات العلاقة، ما يسهل الاطلاع والمشاركة بفاعلية من خلال "منصة الابتكارات الموحدة"، ومن خلال هذه المنصة نستطيع تطبيق ذلك على جميع مسارات الابتكار النوعية لكل القطاعات، وبالتالي تكون لدينا منظومة ابتكارية إبداعية منتجة ومنظمة من خلال "شبكة ابتكار وطنية موحدة"، يسهم من خلالها في تحقيق تطلعات الوطن.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي