جائزة نوبل للاقتصاد
الأوضاع الاقتصادية الحالية تجعل موضوع جائزة نوبل هذا العام مهما من ناحية، لأن الحالة المالية مربكة لكثير من الدول وربما للنظام ككل، لكنها أيضا توقيت غريب نوعا ما، لأن دور الأزمة المالية العالمية أصبح قديما بعض الشيء، خاصة أن المصارف أصبحت في مأمن بسبب اختبارات الإجهاد المتواصلة للطمأنينة على ملاءة القطاع وحيويته، كما أن دورها في المنظومة المالية تقلص لمصلحة مؤسسات أخرى، مثل شركات إدارة الأصول وبنوك الظل. الجائزة هذا العام منحت لثلاثة اقتصاديين بالتساوي نظير اهتمامهم بدور القطاع المصرفي والمخاطر منه على الأوضاع الاقتصادية. التجربة الضمنية في الجائزة مبنية على تجارب أمريكا، لكن دور المصارف مركزي في كل الدول. فاز بالجائزة مشاركة بن برنانكي رئيس "الفيدرالي" السابق، والأكاديميان دوغلاس دايموند، وفيليب ديبفيغ، لأبحاثهم في خوف المودعين، وبالتالي المطالبة بأموالهم في الوقت نفسه.
مصدر الإشكالية في طبيعة دور المصارف. المصارف تعتمد في الأغلب على ودائع قصيرة الأجل، بينما تقرض لمدة طويلة لتمويل مشاريع طويلة الأجل، المودع يتوقع ويطالب بالسيولة من البنك، ولذلك لا بد للبنك من توفير حد أدنى من الأموال السائلة لتلبية طلب المودعين، لكن أثناء الأزمات، "الأغلبية تتجه إلى البنك في الوقت نفسه"، يصبح الضغط على السيولة أعلى من قدرة البنك على تلبية طلبات العملاء، ما يجر البنك إلى صعوبة مالية حتى الإفلاس. صعوبات القطاع المصرفي تمتد سريعا إلى الاقتصاد الحقيقي، وبالتالي لا تتوافر أموال لتمويل الاستثمارات ما يضاعف الأزمات الاقتصادية، ليدخل الاقتصاد والمجتمع في أزمة حياتية. فدور المصارف تسهيل العلاقة بين المودع والمقترض.
بن برنانكي كان لديه اهتمام أكاديمي بحثي بأزمة 1930ـ 1931 ومسبباتها، حيث خرج بنتيجة أن أحد أهم مصادر الأزمة، يعود إلى هجوم المودعين على المصارف، مناقضا لما ذكر ميلتون فريدمان أن الانكماش النقدي كان السبب الرئيس. نشر ذلك في ورقة بحثية في 1983. بينما مساهمة دايموند وديبفيغ كانت في تحويل الحالة الوصفية في علاقة المودع والمقترض من خلال البنك إلى نموذج مالي يؤطر العلاقة، إلى أن أصبح آلية توظفها البنوك المركزية والجهات الرقابية في قياس أداء المصارف والاطمئنان على الحالة المالية وسلاسة النظام المالي والاقتصادي. في ظل غياب ضمان الودائع أو استعداد البنوك المركزية لدعم القطاع المصرفي تستمر المخاطر، لكن هذا لا يوقف الأزمات المالية التي تأتي بأشكال مختلفة في كل مرة أو جيل آخر، وعادة من ركن آخر من المنظومة المالية، كما حدث في أوروبا في بداية العقد المقبل أثناء الخلل الكبير في سوق السندات الأوروبية الذي أخذ شكل الفروقات في نسب الفائدة بين دول شمال أوروبا، خاصة ألمانيا ودول جنوب أوروبا، تحديدا اليونان. السبب كان ذعر المستثمرين، وبالتالي تخارجهم في الوقت نفسه ما فاقم الأزمة المالية، وبالتالي الاقتصادية. أزمة لم تتوقف حتى قال ماريو دراجي، رئيس البنك المركزي الأوروبي كلمته المشهورة، سنعمل أي شيء وكل شيء للتعامل مع الأزمة، إذ يقصد شراء السندات، وبالتالي استطاع إرجاع نسق العلاقة بين السندات كما كان. الآن، ونحن على شفا أزمات متكررة قد يستفيد العالم من هذه التجارب والنموذج. البعض نقد وجود برنانكي بسبب دوره المفترض في الأزمة العالمية، إذ حدثت أثناء وجوده في رئاسة "الفيدرالي"، وبالتالي لم يعمل كثيرا استباقيا أثناء تراكم المسببات.