بريطانيا ليست سوقا ناشئة حتى الآن «2 من 2»

رغم أن إجراء إعانة الطاقة وصـف بأنه إجراء وحل "مؤقت"، فإن إعانات دعم الطاقة من الصعب للغاية إلغاؤها بمجرد تطبيقهاـ كما يعلم تمام العلم عديد من الدول النامية والأسواق الناشئة- بينما تلجأ دول أوروبية أخرى أيضا إلى تدابير يائسة في التعامل مع ارتفاعات الأسعار الهائلة التي يواجهها المستهلكون منذ الحرب في أوكرانيا، فإن خطة بريطانيا تشبه مخططات الأسواق الناشئة في نطاقها وحجمها. يسعى عديد من الأسواق الناشئة، خاصة تلك المصدرة للوقود، إلى تحديد سقف لأسعار الطاقة التي يواجهها المستهلك، وبتكلفة مالية ضخمة غالبا.
لا يخلو الأمر أيضا من بعض أوجه التشابه بين حزمة بريطانيا الضريبية والجهود التي تبذلها إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لتنفيذ مجموعة من السياسات الاقتصادية التقدمية التي تقع خارج نطاق ما وعد به بايدن في حملته الانتخابية. لكن سياسات بايدن أعرب عنها بوضوح على الأقل منافسون ديمقراطيون آخرون على منصب الرئاسة في 2020، خاصة بيرني ساندرز وإليزابيث وارن. علاوة على ذلك، ليس من المستحيل أن نتخيل مرشحا رئاسيا ديمقراطيا في 2024 يفوز استنادا إلى مثل هذا البرنامج، خاصة إذا كان دونالد ترمب هو المرشح الجمهوري.
من ناحية أخرى، لم يكن لسياسات تراس التي استقالت الخميس مثل هذه الأجواء الترويجية الأخيرة. فقد فازت بمنصب رئيس الوزراء بعد حملة موجزة بين أعضاء حزب المحافظين الذين يدفعون رسوم العضوية وعددهم 180 ألف عضو. لم يكن لأي شخص آخر أي قول في اختيارها، ولم يكن هناك أي سبب وجيه يحمل الناخبين على قبول برنامجها.
علاوة على ذلك، حتى لو زعمنا أن الميزانية المصغرة المقصود منها أن تكون مسرحا سياسيا، فإن الأداء على ذلك المسرح لم يكن مؤثرا. يميل الناخبون إلى أن يصبحوا أكثر انتباها إلى أحوال الاقتصاد وسخاء الحكومة في العام السابق للانتخابات، وهناك "دورات موازنة سياسية" موثقة جيدا، أثناء أعوام الانتخابات، تدفع الحكومات مشاريع الإنفاق شديدة الوضوح وتقلل من النفقات الأطول أجلا والأقل ظهورا. لكن الانتخابات التالية في المملكة المتحدة قد تنعقد بعد أسبوعين بحلول ذلك الوقت، يجب أن يكون من الواضح أن التخفيضات الضريبية لن تغطي تكاليفها من تلقاء ذاتها من خلال تعزيز النمو الاقتصادي، وأي ردود فعل إيجابية أولية من جانب الناخبين ستكون تبددت.
من المؤكد أن السياسات الراديكالية، خاصة من جانب السياسيين المحافظين، تتعرض لانتقادات شديدة من قـبـل الصحافة قبل أن تثبت كونها أكثر نجاحا مما كان متوقعا لها. من الأمثلة الرئيسة على هذا الاتجاه رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر والرئيس الأمريكي رونالد ريجان، ولم تـخـف تـراس إعجابها بالسيدة الحديدية. لكن تاتشر وريجان كان لديهما على الأقل إطار سياسات متماسك نجحا في إيصاله بوضوح، ولا ينطبق القول ذاته على حكومة تراس المستقيلة بالطبع.
أصابت تراس ومستشارها كواسي كوارتنج عندما زعما أن المشكلة الاقتصادية الأكبر في المملكة المتحدة على مدار العقدين الماضيين، كانت بسبب نمو الإنتاجية الهزيل، وأن الحل لا بد أن يكون كامنا في إصلاحات جانب العرض. علاوة على ذلك، لا يزال في الوقت متسع بما يكفي لتمكينهما من التوصل إلى خطط أفضل، وشرح هذه الخطط بشكل أفضل لجماهير الناس. وهنا أيضا يـعـد بنك إنجلترا لاعبا أساسيا. حتى ذلك الحين، سيتلقى الجنيه الاسترليني الضربة تلو الأخرى، وفي الأرجح ستزداد الأمور سوءا قبل أن تتحسن.
خاص بـ«الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2022.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي