جمال العطاء

هناك عدد من الجماليات من امتلكها فقد عاش في سعادة وهناء، لا على مستوى نفسه فحسب، بل تجده قادرا على نشر هذه السعادة في المحيط الذي حوله.. ومن بين هذه الجماليات يبرز العطاء كواحد من أهمها.. الحياة قائمة على جملة قوانين تحفظ توازنها، ومن تلك القوانين قانون الأخذ والعطاء، الذي يعد قانونا رئيسا في حياة الإنسان.. العصر الذي نعيشه يسمى عصر الماديات، بسبب تنامي المادية فيه بشكل واضح، وطغيانها حتى أوشك الإيثار أن يختفي من حياة الناس، وأصبح الكثير يركز على نفسه ويبحث عن راحتها فقط، واضعا الأخذ نصب عينيه، والعطاء خلف ظهره.
صحيح أن الشح غالب على النفوس، كما قال الحق سبحانه "وأحضرت الأنفس الشح"، إلا أن القلوب حين تستقيم على الإيمان وتمتلئ الجوارح بما عند الله، فإن أخلاق النفوس تتغير فيحل فيها العطاء محل المنع، والإيثار مكان الأثرة، والجود بدل البخل، واضعين نصب أعينهم حديث المصطفى - صلى الله عليه وسلم - "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه".. إنه عند الحديث عن العطاء يتبادر إلى الذهن أنه الكرم المادي، وهو بلا شك خصلة محمودة، لكنه ليس المعنى الوحيد للعطاء، فقد يبذله البعض لمصالح آنية أو خوفا من ذم أو طلب لمدح، على حين أن نفوسهم ممتلئة بالشح.. إن العطاء يتمثل في جوانب عدة يظهر فيها بأصدق صوره، فقضاء حوائج الناس وتعليمهم الخير والتواضع لهم وصدق التعامل معهم وصدق محبتهم والدعاء لهم والتجاوز عن أخطائهم والتغافل عنها، والإحسان إلى الأهل والجيران والأصدقاء وغيرهم، وأداء العمل بإخلاص وإتقان وتفان، كل ذلك يعد من أبرز أوجه العطاء.
إن من عاش وهو لا يفكر إلا في الأخذ فقط دون أن يفكر في العطاء، فقد أخل بأحد القوانين الكونية اللازمة لتوازن الحياة، كما أنه سيكون فاقدا لطعم الحياة الحقيقي وهو العطاء.
ليس الكريم الذي يعطي عطيته
على الثناء وإن أغلى به الثمنا
بل الكريم الذي يعطي عطيته
لغير شيء سوى استحسانه الحسنا
لقد أظهرت الدراسات العلمية أن العطاء وإنفاق المال على الآخرين يزيد من نسبة هرمون السعادة عند الإنسان أكثر بكثير مما لو أنفقه على نفسه.. الثمرة الحلوة لو أمسكت حلاوتها على نفسها لفسدت، ومظهر جمالها أن تهب حلاوتها للآخرين.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي