قسطاس التوازن

حينما يشوي لهيب الشمس جباه القوم نراهم يهيمون شوقا نحو لسعات الشتاء الباردة لتنسيهم ما مر بهم من حميم، وإن حل الشتاء بدارهم تمنوا قيظهم، وهكذا دواليك لا دوام على حال. لكن ما سر تكرار هذه الصورة سنويا، ولماذا تعيد المشاعر نفسها مع كل موسم جديد؟ مع أن العلماء حاولوا إيجاد تفسير لهذه الظواهر التي أسموها الكآبة الموسمية.
بحسب تعريف موقع مايو كلينيك، فإنه اضطراب عاطفي موسمي، وهو نوع من حالات الاكتئاب يحدث بسبب التغيرات الموسمية، يبدأ وينتهي في الأوقات نفسها تقريبا كل عام.
إن ظاهرة المشاعر المكررة دفعت العلماء إلى اكتشاف قانون كوني يعمل على إيجاد التوازن بين المتنافر والمتعاكس، وهذا يدفع إلى إيجاد حلاوة التضاد ولذة التغير باعتبار أن رفاهية العافية شعور لا يحس به إلا من تلظت جوانبه من فراش المرض، ومن مل طول النهار فليسأل سكان جزيرة جرينلاند، التي لا تشرق شمسها إلا شهرين في العام، وكذا لو دام المطر لاستسقى الناس الصحو، و لو استمرت عاصفة لا تهدأ لما ارتاح طفل ولا نام شيخ، وبين الفوز والهزيمة ضدان يصنع أحدهما حلاوة الآخر، وهذه سنن الحياة ونواميس الكون، وعلماء الاجتماع وخبراء الفيزياء المتأخرين يسمونه قانون التوازن في العلاقات.
إن خلو التوازن من الصور المحسوسة السابقة ينتج عنه حياة غير قابلة للعيش، ومن العلماء من ذهب إلى ما هو أعمق من ذلك إلى الصور غير المحسوسة، إذ يشير عالم الفيزياء الروسي الشهير فاديم زيلاند إلى مفهوم عميق في المشاعر والعلاقات، وهو أن التطرف في المشاعر يقود إلى نتائج عكسية ومؤلمة.
ومعنى ذلك أن زيادة الشيء كنقصه، والملاحظ يرى أن أعظم أسباب الفشل هو رفع التوقعات والمبالغة في التفاؤل أو التشاؤم أو الطغيان في تقدير العواقب، فالتاجر الصغير يتوقع أن يكسب الملايين بمجرد أن يبدأ، والغر يغرق في البحر ظنا أنه غواص، والوعي بهذا القانون عظيم الأثر ويزيد من تقدير الأمور ووضعها في ميزانها المناسب، فالتفاؤل - وإن كان مذهبا حسنا - إلا أن زيادته تعد مشكلة، وعكسه التشاؤم أو الاهتمام حتى التكدر والهم.
وضربوا مثلا فقالوا: "كل شيء يزيد على حده ينقلب ضده"، وقد قيل إن الأحكام تختل وقت الفرح الشديد أو الغضب الشديد.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي