التوريط الاجتماعي
في علوم الكلام قاعدة تسمى "التأطير"، وله عدة تعريفات، لكن يمكن اختصاره في أنه استخدام الكلام أو الرسوم أو البيانات، بهدف الحصول على ردة فعل محددة سلفا، وتأتي على مستويات مختلفة وبطريقة حاذقة، لا تظهر فيها مقاصد الإجبار والتوجيه، إنما الوصول إلى حكم وتصرف عن قناعة تامة.
الاختيار الإجباري لا يقود إلى خيارات الشخص وخططه هو، بل إلى خيارات الآخرين وخططهم.
ينطبق هذا على دعوة قدمتها إحدى الشركات الأوروبية للتبرع باستخدام التأطير العاطفي، فكتبت عبارة على لوحة كبيرة "تبرع للأطفال الفقراء أم أنك تكرههم ولا يهمك أن يموتوا من الجوع"، هذه العبارة مصوغة بدقة، وكل كلمة مقصودة، لأن القارئ ومنذ الوهلة الأولى سيفهم أنه سيكون أحد هذين الخيارين، ويمكن التمعن في عبارة "من ليس معنا فهو ضدنا".
إن "التأطير" وإن كان في ظاهره الاختيار، فهو إجبار ودفع باتجاه خيارات محددة، وهذا يقود إلى اتخاذ مواقف وقرارات إجبارية، بهدف تحقيق مكاسب ليس للشخص قرار في اتخاذها، ومن هنا كان لا بد من الوعي بأسلوب التأطير وقدرته على الإجبار بقناعة.
ألم تشتر يوما منتجا محددا في السوبر ماركت، لأنه كان موضوعا بعناية أمام عينيك؟ كما أنك لن تجد الحلوى في مستوى بصرك، بل في مستوى الأطفال الصغار، ألم يكن صندوق التبرعات الذي يحمل صورة طفل باك كافيا، لأن تدس بقية القروش داخل الصندوق؟
تشكل العاطفة عاملا بالغ الأهمية في "التأطير"، وقد توصلت جامعة بريطانية إلى أن الناس أكثر ميلا إلى التبرع بعد المناسبات مباشرة، سواء كانت حفلات تبرع أو فور وقوع كوارث طبيعية، وذلك لقوة تأثير العاطفة والصور الغزيرة، التي صاحبت المشهد والدعوة، وهذا فعل مقصود لإحداث الأثر والنتيجة المطلوبة.
وقد أثبتت دراسة قام بها نيكولاس جوجوين الإخصائي النفسي الفرنسي، تأثير الكلمات، إذ وضع علبا فوق كل طاولة في أحد المطاعم، مكتوب على الأولى "تبرع بمحبة" والأخرى "تبرع للمساعدة" والثالثة "تبرع"، وتبين أن علبة "المحبة" احتوت على ضعفي الأموال.
النهاية، إن هذا يبدو واضحا في حفلات التكريم، حين يشحن المكرم بعبارات التفخيم والثناء، وتنهال عليه جمل التعظيم والتبجيل، بحيث يوضع فيما تتوق إليه الأنفس من الكرم والسخاء، ويكون في موضع لا يحسد عليه، لأنه لا يحسن التراجع عنه، وسيكون "التأطير" توريطا اجتماعيا مخططا مع سبق الإصرار والترصد.