مصيدة الملل
من أعظم قواعد الحياة هو التقبل، ومن معانيه التعايش والسلام والتسليم وليس الاستسلام، فالأولى تعني القناعة والعمل، والثانية الهزيمة والهروب، وسر عظمة التقبل أنه دافع قوي للإبداع وإحداث الفرق، وإحدى وسائل إذابة الران الذي يختلج النفوس المهزوزة ويصدها عن العمل والعطاء والحماس، وهو غطاء يقي صاحبه من الحسد ومشاعر الكره والسلبية.
تتغذى معظم أسباب الفشل والإحباطات من أرضية الاستسلام والرفض وعدم التقبل، فالموظف يشعر بالملل لأنه لم يتقبل طبيعة عمله، والعامل مستاء ومستسلم لظروفه، والزوج يعظم أخطاء زوجته ولا يتقبل نقصها وهفواتها الصغيرة والعكس كذلك.
إن للتقبل قدرة فائقة على إضرام نار الحماسة للإبداع وإشعال فتيل التطوير ورؤية المستقبل بإشراق وتفاؤل، وليس هذا من الإنشاء في شيء بل أثبتت عديد من الدراسات والأبحاث أن سر التفوق في قاعدة "اعمل ما تحب فإن لم يكن فحب ما تعمل"، ولن يحب المرء عملا ما لم يتقبله.
للنجاح أسباب ظاهرة معروفة وخفية مجهولة، ومن الدوافع الخفية وراء نجاح المبدعين عشقهم لما يقومون به، فالمهن واحدة لكنها تتفاوت في درجات الإتقان، وميزانه الشغف الذي يدفع صاحبه لإحداث فروقات نوعية، فمن يعشق ما يعمل يقبل عليه بروح الرغبة والطموح.
قبل عدة أيام تناولت عناوين الأخبار قصة غريبة عن رجل كيني يعمل على إرشاد المشجعين في كأس العالم المقام حاليا في قطر، يحمل الرجل لافتة تشير بأصبع، قائلا "المترو من هنا Metro this way" وعلى الرغم من أنها مهنة جانبية لا علاقة لها بالحدث العالمي إلا أنها أضحت أيقونة المونديال، وصاحبها من المشاهير بسبب أسلوبه الجميل وتوجيهاته المضحكة للجماهير.
في الواقع أن المهمة المكلف بها عادية جدا بل ومملة، ولم يدر في خلده أن حياته ستنقلب رأسا على عقب بعد أن أسر بأسلوبه وابتسامته قلوب المشجعين من كل الجنسيات، ورددوا جملته بشكل عفوي، وانتشرت مقاطع الفيديو التي حصلت على آلاف التفاعلات وملايين المشاهدات وصار تريند المونديال.
الخلاصة كان يمكن لهذا الكيني البسيط أن يستسلم ويكون فريسة لمصيدة الملل، لكنه استمتع فأمتع وانتقل من شخص فقير إلى أيقونة نال بعدها من إدارة المترو لقب سفير مترو المونديال.