برامج الجامعات السعودية والابتكار «1من 4»

من أهم الركائز الأساسية لأي اقتصاد مبني على المعرفة والاستدامة، الاهتمام بعملية البحث والتطوير والابتكار، وهي أحد الأدوار الرئيسة التي تقوم بها الجامعات والمراكز البحثية والهيئات المتخصصة، وكما ذكرت في مقالي السابق تحت "عنوان الابتكار في تحقيق الاقتصاد المستدام"، الذي لخصت فيه دور البحث والتطوير والابتكار والإبداع والإنتاجية وعلاقه ذلك بالعنصر البشري، ونتائج ذلك في بناء اقتصاد معرفي مستدام، وتطرقت إلى اشتمال أهداف رؤية السعودية 2030 على ذلك، واهتمام الدولة بالتعليم والبحث والتطوير والإبداع والابتكار، من خلال تخصيص الميزانيات الضخمة والمبادرات والشراكات للهيئات والمراكز البحثية والجامعات، وذكرت أنه أصبح لدينا أربع جامعات سعودية ضمن أفضل 100 جامعة على مستوى العالم في تسجيل براءات الاختراع في مكتب البراءات الأمريكي.
وأصبح لدينا الآن خمس جامعات مصنفة من ضمن أفضل 500 جامعة في العالم، ومن مستهدفات الرؤية الطموحة أن يكون لدينا ثلاث جامعات من ضمن أهم 100 جامعة على مستوى العالم، وسيكون موضوع مقالنا اليوم الحديث عن إحدى هذه الجامعات، وهي جامعة الملك سعود، وسأتحدث عن مساهماتها ودورها في الابتكار والريادة من خلال استعراض برامجها وخططها وأهدافها الاستراتيجية، وكيف استطاعت تحقيق عديد من الاستثمارات في هذا المجال.
تعد جامعة الملك سعود أول جـامعة سعـوديـة تم إنشاؤها في 1957، والجامعة هي الأولى عربيا في تسجيل براءات الاختراع في أمريكا وأوروبا، وضمن أفضل 100 جامعة على مستوى العالم في منح براءات الاختراع الصادرة من مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكي لتسعة أعوام على التوالي، وتم تصنيفها ضمن أفضل 200 جامعة حول العالم وفقا للتصنيف الأكاديمي لجامعات العالم الذي يصدره معهد التعليم العالي التابع لجامعة شانغهاي جياو تونغ لـ2022، Shanghai Ranking: 2022، وتملك الجامعة محفظة استثمارية عقارية وقفية ضخمة تسعى إلى أن تصل بها إلى 25 مليار دولار بحلول 2040، ولديها خطط استراتيجية متطورة تحدث أولا بأول، ترتكز على عدة أهداف أهمها الاهتمام وتشجيع الإبداع والابتكار في الأبحاث العلمية ودعم ذلك محليا ودوليا من خلال تعزيز الشراكات المختلفة مع القطاعين العام والخاص.
ومن تلك الأهداف أيضا تنمية إيرادات الجامعة من خلال العمل على الاستثمار في الابتكارات النوعية المختلفة، وتسويقها ومشاركتها في مشاريع ريادية مستدامة، ولا يكون ذلك إلا من خلال تشجيع منسوبيها على البحث والتطوير والابتكار وعملت على حفظ حقوقهم، وأصدرت بذلك اللوائح والقواعد تحت مسمى لائحة سياسات الملكية الفكرية التي تضمن حقوق الباحثين والمبتكرين من العوائد المالية، كما يتم التركيز على التقنيات المتقدمة ذات الأهمية الاستراتيجية في المملكة، مثل تقنيات الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والفضاء والملاحة الجوية والدفاع والأمن والطاقة والمياه والنفط والصحة والبيئة والزراعة والنقل والعلوم المختلفة، مثل العلوم النووية والفيزياء التطبيقية وغيرها.
ومن جهود الجامعة في دعم البحث والتطوير والابتكار إنشاء عديد من المراكز البحثية، ففيها أكثر من 20 مركزا بحثيا، منها: مركز البحوث الهندسية، مركز بحوث علوم الحاسب والمعلومات، مركز بحوث العلوم الطبية التطبيقية، مركز بحوث طب الأسنان، مركز بحوث علوم الصيدلة، وغيرها، التي تهدف إلى تهيئة البيئة، وتوفير الدعم المالي والشراكات اللازمة للباحثين والمبتكرين وتشجيعهم على الخروج بأفكارهم ومبتكراتهم إلى منتجات ذات قيمة فاعلة وذات مردود اقتصادي معرفي مستدام.
كما أنشأت الجامعة عديدا من البرامج، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، برنامج أبحاث شركة سابك، برنامج الشراكة العلمية الدولية، وغيرهما، التي تهدف جميعها إلى استقطاب ودعم المشاريع المقدمة من الباحثين علميا وماديا وتحفيزهم على تطوير ابتكاراتهم، لتكون فاعلة ذات قيمة وجدوى اقتصادية، كما أسست الجامعة وادي التقنية في 1429هـ تحت مسمى مشروع أو مؤسسة وادي الرياض للتقنية، الذي يعمل على توطين الابتكارات النوعية من خلال استثمار مخرجات الأبحاث، ومن خلال العمل على تأسيس شركات جديدة، أو شراكات استثمارية مع شركات عالمية.
كما تعد جامعة الملك سعود أكبر مؤسسة أكاديمية في منح براءات الاختراع من الهيئة السعودية للملكية الفكرية، حيث تمتلك ما يقارب 1215 براءة اختراع في تخصصات متنوعة، وهي تعد أحد أهم الأصول الرئيسة ذات القيمة العالية التي تمتلكها، وتمثل أحد الأشكال الرئيسة للاستثمار، وهي تعمل على تطوير هذه البراءات واستثمارها كمشاريع فاعلة ذات مردود اقتصادي لتحقيق إيرادات ذاتية للجامعة بعد تقييمها من قبل لجان تقييم متخصصة لهذا الغرض، حيث تبحث في إمكانية تطبيقها من الناحيتين العلمية والعملية، وبعد ذلك العمل على تسويقها وتصنيعها من خلال الشراكات أو الاتفاقيات المستدامة سواء محليا أو دوليا.
ومن الأمثلة على تلك المشاريع التي أجازتها الجامعة، مشروع إنتاج وتوليد الطاقة من خلال جهاز التسخين الشمسي، مع نظام تبريد وتحلية المياه باستخدام الطاقة الشمسية، ناتج عن اتفاقية ترخيص موقعة بين الجامعة وشركة قدرة للطاقة، وهذا المشروع نتاج براءة اختراع صادرة من مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكي، ومودعة في مكتب البراءات السعودي بعنوان، جهاز وطرق للتسخين الشمسي، مملوكة للجامعة.
ومن الأمثلة أيضا، مشروع تركيز الشمس على الرمال لإنتاج الكهرباء مع الشركة السعودية للكهرباء، وهذا المشروع ناتج عن عمليات تطوير لبراءة اختراع تمتلكها الجامعة بعنوان، مستقبل لجسيمات صلبة بتركيب مسامي لتنظيم التدفق وتحسين في مستوى نقل الحرارة، وهذه البراءة ممنوحة من مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكي أيضا، وغيرها الكثير.
أرى أن تطوير الجامعة برامجها التقييمية للاختراعات عموما لتشمل مدى جدواها الاقتصادية والحاجة الفعلية لكل القطاعات سواء المدنية أو الدفاعية، سيحقق مزيدا من الإيرادات الاستثمارية، وسنستكمل الحديث عن بعض الجامعات السعودية في هذا السياق في مقالات مقبلة بإذن الله... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي