برامج الجامعات السعودية والابتكار «3 من 4»

تحدثت في مقالات سابقة عن البرامج المحفزة للابتكار في جامعاتنا السعودية، وخصصت الحديث عن جامعتي الملك سعود والملك عبدالعزيز، والدور الذي يقوم به كل منهما في دعم وتحفيز منظومة الابتكار لديها، وكيف أنها استطاعت الحصول على مراكز متقدمة على مستوى العالم في تسجيل ومنح براءات الاختراع الصادرة من مكتب البراءات والعلامات التجارية الأمريكية، وتعرفنا من خلال تلك المقالات على الخطط والبرامج والاستراتيجيات، التي ساعدتها على استغلال بعض ما لديها من أبحاث علمية وبراءات الاختراعات كابتكارات متنوعة فاعلة، في تعدد طرق استثماراتها وإيراداتها اقتصاديا واستدامتها، وتعرفنا على أهمية تنويع هذه الطرق في تحويل الابتكارات والأفكار إلى منتجات تجارية وصناعية من خلال تقييمها التقييم الجيد لمعرفة مدى الحاجة الأكيدة لها في القطاعات المختلفة، ومدى أيضا جدواها اقتصاديا، وفي مقالنا اليوم سنستكمل الحديث عن مثال آخر لبرنامج جامعة سعودية أخرى، وأخذ فكرة موجزة عن كيف استطاعت من خلاله الاستفادة في دعم منظومة الابتكارات لديها، وكيف استطاعت اكتساب شهرة واسعة ومراتب متقدمة بين مصاف الجامعات، سواء كانت محلية أو إقليمية أو حتى على مستوى العالم، حديثنا اليوم عن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
تعد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن من أوائل الجامعات السعودية، حيث أسست 1963، وبعمل إحصائية ولمحة سريعة عن الجامعة، نجد أنه منذ نشأتها تخرج منها أكثر من 39 ألف خريج، ويوجد فيها حاليا أكثر من عشرة آلاف طالب وطالبة، وأكثر من 1100 عضو هيئة تدريس، وفيها ثماني كليات تشمل العلوم والهندسة والحاسب الآلي والبترول وعلوم الأرض وغيرها، التي تشمل عديدا من التخصصات المختلفة، التي تغطي أكثر من 50 برنامجا أكاديميا للدراسات العليا، وأكثر من 30 برنامجا لمرحلة البكالوريوس، عملت جامعة الملك فهد للبترول والمعادن على أهداف واضحة شملت التميز الأكاديمي والتركيز على تفعيل منظومة البحث والتطوير، وتتجير التقنية والابتكار وريادة الأعمال والاستدامة، واستطاعت الجامعة بذلك أن تكسب مكانة وشهرة عالميتين، حيث احتلت المركز الرابع عالميا على مستوى العالم في عدد براءات الاختراع المسجلة في الولايات المتحدة لعام 2019، وحسب التصنيف العالمي السنوي للجامعات الذي تقدمه مؤسسة كواكواريلي سايموندز الإيطالية، شركة Quacquarelli Symonds: QS البريطانية المتخصصة، احتلت المركز الـ 186 عالميا لعام 2022.
عملت الجامعة لذلك، على خطط استراتيجية ممنهجة لتحقيق أهدافها المشتملة على تنويع مواردها واستثماراتها اقتصاديا، وللمساهمة في منظومة الاقتصاد الوطني وتنويع مصادره والمساهمة بشكل فعال في تحقيق أهداف رؤية 2030، وشملت هذه الخطط في دعم وتحفيز الابتكار، وذلك من خلال بنائها لنظام ابتكاري متكامل مرتبط بخريطة طريق للخروج بمنتجات ذات أثر فعال اقتصاديا، شمل هذا النظام الاهتمام بجودة منظومة البحث والتطوير، والاهتمام بالعملية التدريبية لنشر مفهوم الابتكار، والتركيز على جودة الأبحاث وتطويرها، من خلال ستة مراكز بحثية وعدد من مراكز التميز والشركات والمجموعات البحثية، تعمل على تغطية عدة تخصصات في الهندسة بأنواعها وأنظمة الاتصالات وتقنية المعلومات والبيئة والمياه والبترول والبتروكيماويات، والمعادن والطاقة، والطاقة المتجددة، وتقنية النانو وغيرها، وتوثيق نتائجها عن طريق تسجيلها براءات الاختراعات والنماذج الصناعية المختلفة لديها، ولذا أسست لذلك مكتبا عملت على تطويره لتسجيل الملكيات الفكرية وتسويق ونقل التقنيات على غرار القواعد والآليات المتبعة في الجامعات الأمريكية، كما أنشأت وادي الظهران للتقنية، وهو يعد أكبر تجمع عالمي لمراكز أبحاث النفط والغاز، ويتكون من مراكز ومعاهد متقدمة، للابتكار وريادة الأعمال والنمذجة، ويعد وادي الظهران حاضنا ملائما للابتكارات التقنية النوعية الفاعلة المبنية على براءات الاختراع التي تمتلكها الجامعة.
تعمل الجامعة على دعم عمليات البحث والتطوير وتسويق ابتكاراتها، سواء كانت صناعية أو مدنية، من خلال جلب استثمارات متنوعة، ومن خلال اتفاقيات وشراكات، سواء كانت محلية أو دولية، من هذه الاتفاقيات المحلية، على سبيل المثال، تلك التي أبرمت مع الهيئة العامة للصناعات العسكرية، والهيئة السعودية للفضاء، ومن الأمثلة على الاتفاقيات والشراكات الدولية، اتفاقية شركة ساس للخدمات البيئية SAS Environmental Services، واتفاقية شركة بتروجيستكس Petrogistix، واتفاقية شركة بلاك قولد Black Gold Industrial Co، وغيرها، والتي تعتمد على براءات أو برامج تمتلكها أو طورتها الجامعة.

وأرى أن ما قامت به الجامعة وتقوم به في عملية الاستفادة من ابتكاراتها، ويتجير عدد من التقنيات لديها، في سبيل تنويع إيرادات الجامعة من خلال خريطة للطريق تستند إليها بداية من ربط الأبحاث بالاحتياجات الفعلية من خلال اتفاقياتها المبرمة مع الشركاء والمستثمرين وتطوير منتجاتها وتسويقها من خلال الشراكات المتعددة، ويعد ذلك من النماذج الجيدة، التي قد يكون من المفيد لبقية الجامعات الاقتداء بها، وتعديل وتطوير خططها وطرقها على غرار ذلك، للاستفادة من الأبحاث والابتكارات والنوعية في تنويع مواردها واستثماراتها بدلا من أن تكون حبيسة الأدراج، وسيتم في المقال القادم التحدث عن نوعيات وأمثلة أخرى من هذه البرامج وإبداء الرأي حول الطريقة المثلى للاستفادة القصوى من تلك البرامج في مجال الابتكار... يتبع.

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات الرأي