برامج الجامعات السعودية والابتكار «4 من 4»
يلعب الابتكار دورا أساسيا في نمو مؤشر الاقتصاد العالمي، ولا شك أن الاقتصاد المبني على البحث والتطوير والابتكار هو اقتصاد منافس ومستدام، ولذا لم تغفل الدول المتقدمة ذلك، وعمل كثير منها بشكل منظم وبخطط استراتيجية واضحة لتقديم المنافسة والصدارة، وقد سبق أن ضربت لذلك أمثلة في مقالات سابقة، وفي المملكة راعت القيادة هذا الجانب المهم، وأولته اهتماما كبيرا، وجعلته من أولوياتها وأهدافها الاستراتيجية، وعملت على دعم قطاع البحث والتطوير والابتكار من خلال الميزانيات الضخمة والمبادرات المتعددة، ومن خلال دعم قطاع التعليم متمثلا بالجامعات والهيئات البحثية المدنية والدفاعية وعملت على توفير البيئة الخصبة للإبداع في ذلك.
ومن خلال المقالات السابقة التي تحدثت فيها عن سلسلة من برامج بعض الجامعات ودورها ومساهمتها في تطوير منظومة الابتكار لتحقيق عوائد استثمارية متنوعة اقتصاديا، لمسنا، أنه أصبح باستطاعتنا، وبالعمل الدؤوب والجهود المخلصة، خوض غمار المنافسة والتنافس مع كبار الدول في ذلك، حيث لاحظنا أن ثلاث جامعات سعودية احتلت مراتب متقدمة ضمن أفضل 50 جامعة في تسجيل براءات الاختراع على مستوى العالم، شملت مجالات متعددة سواء في مجال الطاقة المتجددة والعلوم التكنولوجية والتقنية وأنظمة المعلومات وعلم البيانات والأمن والصحة وغيرها.
وفي مقال اليوم سنكمل الحديث أيضا عن برنامج آخر من البرامج المحفزة لبيئة الابتكار، وهو برنامج جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل، ونتحدث عن خططها واستراتيجيتها في البحث والتطوير والابتكار، ونختتم هذه السلسلة بتصور حول الاستفادة من كل هذه الأمثلة في وضع مبدأ لمبادرة أو خريطة طريق تربط مسار الابتكار باقتصاد معرفي ريادي مستدام ويسهم في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.
بدأت مسيرة جامعة الإمام عبدالرحمن بن فيصل في 1975، وتميزت هذه المسيرة في التخصصات الطبية والعمارة والتخطيط، وخططها الاستراتيجية، والعمل على تعزيز منظومة البحث العلمي والابتكار لديها، من خلال 67 مشروعا تطويريا و179 مبادرة تطويرية، شملت إنشاء عديد من المراكز البحثية وتهيئتها كبيئة فاعلة للبحث والتطوير والابتكار، مثل مركز البحوث العلمية الأساسية والتطبيقية، ودعم عديد من الكراسي البحثية، وعن طريق نشر ثقافة الابتكار والإبداع من خلال إنشاء مكتب لبراءات الاختراع ونقل التكنولوجيا والتقنية، حيث يتولى عملية تسجيل الاختراعات وحمايتها الفكرية والعمل على تطوير هذه الاختراعات التقنية، وتحويلها إلى ابتكارات على صورة منتجات تجارية أو صناعية ذات قيمة اقتصادية وتجارية عالية.
وعملت الجامعة على إبرام شراكات مع القطاعات الصناعية والتنموية منها على سبيل المثال، الشراكة التي أبرمتها مع شركة تطوير المنتجات البحثية RESEARCH PRODUCTS DEVELOPMENT COMPANY: RPDC، بهدف تجيير تقنية المنسوجات المضادة للميكروبات- نانو فابريك- وتأسيس لذلك شركة ناشئة، واتفاقيتها مع شركة أرامكو للأمن السيبراني، واتفاقيتها كذلك مع مجموعة روابي القابضة للطب التجديدي والطب الدقيق وغيرها.
لدى الجامعة أكثر من 25 برنامجا وعددا كبيرا من الكليات متنوعة التخصصات يقارب 19 كلية وتضم، ما يقارب 45 ألف طالب، وحققت الجامعة على أثر ذلك عديدا من الإنجازات منها على سبيل المثال، تطويرها خمس براءات اختراع تمتلكها وتحويلها إلى منتجات فعلية ذات قيمة اقتصادية، وتم منحها شهادات ملكية فكرية لـ146 اختراعا، ولديها حاليا ما يقارب 145 براءة مسجلة، شملت عدة تخصصات منها طبية وفي مجال الصحة عموما، وهندسية وفي مجال تقنية وأمن المعلومات وفي التصاميم وفي علوم مختلفة، وتقدمت على أثر ذلك في الأعوام الأخيرة تقدما ملحوظا، حيث تأهلت الجامعة في 2020 للمرة الأولى إلى تصنيف جامعات دول الاقتصادات الناشئة، وحصلت على المركز 301-350، المعتمد من تصنيف مجلة "تايمز للتعليم العالي"Time Higher Education: THE، وأحرزت الجامعة كذلك تقدما مميزا حسب تصنيف كيو-إس لـ2023 بوصولها إلى الترتيب 477 عالميا ضمن قائمة أفضل 500 جامعة عالميا.
حاليا يبلغ إجمالي عدد الجامعات لدينا في المملكة، ما يقارب 42 جامعة موزعة ما بين 30 جامعة حكومية، و12 جامعة أهلية خاصة، وعدد أيضا من الكليات الحكومية والخاصة والأهلية، إضافة إلى وجود سبع كليات عسكرية، وعدد من المدن والهيئات البحثية والتطويرية، بتخصصاتها المتنوعة والمختلفة، لذلك أقترح أن يتم تطوير خطة وطنية لخريطة طريق تكون من ضمن مبادراتها العمل على دراسة الاحتياجات الفعلية لجميع الابتكارات النوعية الفاعلة بمختلف أنواعها وتعددها، وتكون على ثلاث مراحل محلية وإقليمية ودولية، ودراسة مخرجات المراكز الوطنية البحثية ومراكز ريادة الأعمال سواء في الجامعات أو غيرها.
وأقصد بالمخرجات تلك البحثية والتطويرية وبراءات الاختراعات والنماذج الصناعية وغيرها، مع ضرورة أن يتم من خلال هذه الخطة أيضا عمل آلية لربط جميع تلك الاحتياجات الفعلية، مع الجهات التطويرية والقطاعات ذات الاحتياج الفعلي ومع الجهات التصنيعية، بعد دراسة مدى عوائدها وجدوها اقتصاديا بالطبع.
ولعل تبني إحدى الهيئات المعينة بالبحث والتطوير والابتكار سواء كانت مدنية أو دفاعية ذلك بالشراكة مع وزارة التعليم، وتطوير منصة وطنية موحدة لربط هذه الجهات مع بعضها بعضا كمنظومة للبحث والتطوير والابتكار مع القطاع الخاص والصناعي، يتم من خلالها بناء قاعدة بيانات رقمية تكاملية، سيوفر عديدا من الفوائد، من ذلك توحيد الجهود والمخرجات البحثية والابتكارية من خلال ربط الباحثين ببعضهم، وتكوين مجموعات بحثية متكاملة، ويعطي أصحاب القرار السهولة في تحديد وتقييم ومراجعة تلك المخرجات، وسهولة اتخاذ القرار في تقرير اعتمادها، ولا شك أن ذلك سيلعب دورا كبيرا في تعزيز مساهمة ودور قطاع البحث والتطوير والابتكار في تحقيق التطلعات والأولويات الوطنية في إيجاد اقتصاد متنام معرفي مأمول.