الاستثمارات الصينية في الشرق الأوسط
أصبحت الصين أكبر مستثمر في الدول النامية وفي الأعوام القليلة أبدت اهتماما بالشرق الأوسط لعدة اعتبارات ربما أهمها الطاقة، لكن أيضا كجزء من شرايين طريق الحرير خاصة أن هناك شريانا بحريا. الاستثمارات الصينية بدأت في آسيا الوسطى وإفريقيا قبل أن تصل الشرق الأوسط.
أغلب الاستثمارات في البنية التحتية وهذه بطبعها كبيرة وطويلة المدى وتعتمد كثيرا على القروض، لأن كثيرا من هذه الدول ليس لديها المال ولا المقدرات الفنية للقيام بهذه المشاريع.
كذلك لم يسبق لبلد مؤثر اقتصاديا سوى في الحقبة الاستعمارية أو في العصر الحديث، أن شرع في مشاريع استثمارية تستهدف دولا كثيرة وتسعى إلى ربطها مع بعض إقليميا ومع الصين في منظومة تكاملية تجاريا واقتصاديا.
بالتأكيد مصلحة الصين واضحة من حيث شركاتها ومؤسساتها المالية وصادراتها ووارداتها، لكنها في المجمل مختلفة نوعيا عن المعتاد من الاستثمارات الأجنبية.
ارتفعت الاستثمارات الصينية من سبعة مليارات دولار في 2012 إلى 24 في 2020، بلغت مجمل الاستثمارات في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا (MENA) 123 مليار دولار منذ 2013، كان نصيب العراق هو الأعلى عند 10.5. في 2016 أعلنت الصين من خلال ورقة حول سياستها الاستثمارية في المنطقة الاهتمام بالتجارة والاستثمار والطاقة وحاولت تفادي تسييس الاقتصاد.
في الفترة 2014 - 2019 استثمرت الصين 21.6 في المنطقة 58 في المائة متعلقة بالطاقة، لعل من شواهد الاهتمام في المنطقة أخيرا ارتفاع الاستثمارات 360 في المائة من 2020 إلى 2021، وتعاقدات الإنشاءات بأكثر من الضعف.
لكن لا بد من التحذير هنا أن هذه الإحصائيات من مصادر مختلفة ويصعب معرفة حجم ونوع الاستثمارات من ناحية، ويصعب أيضا فرز القروض من الاستثمارات المباشرة والمشاركات من ناحية أخرى.
كذلك هنا أحيانا إعلانات كبيرة لكن يصعب معرفة تفاصيلها وهناك شكوك حول تنفيذها، خاصة بعد تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، فمثلا ذكر أن هناك اتفاقا إطاريا بين الصين وإيران بحجم استثمارات يصل إلى 400 مليار دولار لمدة 25 عاما مقابل مبيعات النفط والغاز الإيراني إلى الصين. لكن الحرب جعلت روسيا مصدرا أقل تكلفة وتوثقت العلاقة بين روسيا والصين، نظرا إلى تأزم علاقة كليهما مع الغرب، وبالتالي لصرف التصدير الروسي إلى أوروبا.
كما أن ظروف إيران الداخلية وتداعيات الاتفاق النووي ومحاذير المقاطعة الغربية قد تجعل منه إطارا دون تنفيذ.
على الرغم من تنامي صادرات النفط الروسية إلا أن المملكة لا تزال المصدر الأكبر للصين، كذلك هناك استثمارات متبادلة بين الصين والمملكة من خلال مشاركات "سابك" و"أرامكو" في الصين والمملكة.
هناك دول واضح أن الصين تفادتها لظروف أمنية وسياسية مثل سورية ولبنان واليمن والسودان.
العلاقات الاقتصادية والاستثمارية بين الصين ودول المنطقة كانت محدودة في قطاعين تجاريين، استيراد الصين المواد الخام خاصة الطاقة وتصدير البضائع الاستهلاكية، لكن حدث تغير مهم منذ العقد الماضي كما بينت الأرقام بسبب تغير السياسة الصينية كما جاء في طريق الحرير.
لعل أفضل ما في الاستثمارات الصينية أنها مختلفة جذريا عما تعودت عليه دول المنطقة من الغرب واليابان وكوريا من خلال الاهتمام بالبنية التحتية وتنمية العلاقات الاقتصادية، خاصة أنها جاءت مع تراجع العولمة وارتفاع وتيرة السياسات الحمائية، لذلك نشهد استثمارات نوعية ستخدم اقتصادات دول المنطقة في المدى البعيد شرط توخي الدقة والروابط الأفقية الرأسية والمواءمة مع المحتوى الوطني في مراحل مختلفة.