الابتكار .. وإفلاس الشركات
في عالم الشركات عموما، يلعب الابتكار دورا حيويا وأساسيا في تميزها فيما بينها ويساعدها على تحقيق الميزة التنافسية السوقية والتميز والصدارة في عالم اقتصاد متنوع مبني على القدرة والتطوير والابتكار والإبداع، كما تستطيع الشركات، ذات الميزة الابتكارية أو تلك التي فهمت دور الابتكار الحقيقي في تمكينه لها لقدرتها على الصمود والمواجهة في عالم التنافس السوقي وجعلته إحدى بناها التحتية، توفير الحلول لعديد من المشكلات ولكثير من التحديات التي تواجهها سواء كانت تجارية تنافسية أو علاقات عملاء أو أرباحا أو من خلال طبيعة وجودة منتجاتها، واستطاعت بذلك الصمود على المدى الطويل، وفي المقابل شركات لم تعر موضوع الابتكار أي جزء من اهتماماتها وأخفقت في ذلك سواء كانت قائمة أو ناشئة، أدى ذلك إلى زيادة خسائرها وفي كثير من الأحيان إلى إفلاسها وخروجها من ميدان المنافسة، ولعلي في هذا المقال أتطرق إلى بعض الأمثلة لذلك، وكيف أن الابتكار لم يعد خيارا يلجأ إليه عند الحاجة، بل أصبح ضرورة ومطلبا وأن الشركات التي لا تجدد ولا تبتكر تفقد تنافسيتها وتحكم على نفسها بالتراجع والإفلاس.
يسهم الابتكار كثيرا في إيجاد الميزة التنافسية السوقية بين تلك الشركات التي تمتلكه ويعد أحد بنود قواعدها وخططها الاستراتيجية وهياكلها وإداراتها التنظيمية، حيث يعزز من وجودها وامتلاكها القوة اللازمة لفرض منتجاتها وخدماتها، بل إضافة إلى ذلك يساعد على استدامتها واستمراريتها، حيث يبرز دور ووجود الابتكار في تطوير وتوسيع وتحديث مجالاتها وجودة أدائها بطرق وحلول ابتكارية، ما يزيد قدرتها على مواكبة التغيرات وفهم وتوقع الاحتياجات وتعدد طرق تلبيتها، بل يساعدها على التنبئو وتوقع أحجام المخاطر قبل وأثناء وقوعها، وبالتالي العمل على تلافيها والاستعداد لها، وإيجاد الخطط البديلة للتعافي منها بطرق أكثر إبداعا واحترافية.
لا شك أن الشركات القائمة أو الناشئة، التي لا تهدف إلى الابتكار والتطوير تكون شركات غير مرنة، وبالتالي تكون أشد عرضة لخطر الفشل والإفلاس مستقبلا، وذلك بسبب عدم تطورها ومواكبتها للسوق ومتطلباتها، فعلى سبيل المثال بعض الشركات القوية والرائدة في مجال التقنيات الإلكترونية التي لم تؤمن بضرورة وجود عامل البحث والتطوير والابتكار في منظومتها، لم تستطع الصمود في ظل الثورة التقنية الابتكارية الصناعية المتطورة التي نشاهد آثارها اليوم، وبالتالي البعض منها تكبد ديونا وخسائر فادحة وبعضها لم تستطع البقاء في ظل المنافسة القوية، بل أعلنت إفلاسها، ومن الأمثلة على ذلك الكثير، نذكر منها، شركة بولارويد الأمريكية، التي تعد من أوائل الشركات في مجال التكنولوجيا، أسست في 1937، واشتهرت بشكل كبير بصناعة الكاميرات الفورية في أواخر التسعينيات، حيث تتم طباعة الصور ورقيا، وبلغت أعلى إيراداتها في ذلك الوقت نحو ثلاثة مليارات دولار، إلا أنه بسبب عدم وضوح الرؤية المستقبلية والتطوير والابتكار لديها لم تستطع آنذاك مواكبة الثورة الرقمية مع ظهور التصوير الرقمي، وأعلنت إفلاسها وبيع علامتها التجارية في 2001.
ومن الشركات أيضا شركة موتورولا إحدى شركات الاتصالات الأمريكية المشهورة التي أسست في 1928، وهي من أوائل الشركات التي عرضت الهاتف المحمول في 1973، واستمرت في تنويع إصداراتها المختلفة من هذه الهواتف إلا أنها أغفلت تطوير البرامج المستخدمة والابتكار في منتجاتها، بل لم تستطع مواكبة أجيال الاتصالات المتقدمة مثل تقنيات الجي ثري "G3"، وبالتالي لم تستطع البقاء والمنافسة في السوق وفي مجالها مجال الهواتف الذكية، وبالتالي أدى ذلك إلى استحواذ شركة جوجل على هذه الشركة وخروجها من السوق.
ومن الأمثلة أيضا شركة سيرز أحد أكبر وأقدم شركات التجزئة في الولايات المتحدة، حيث أسست في 1886، وطبعت أول كتالوج لها في 1896، وطرحت أسهمها كأول شركة تجزئة في البورصة الأمريكية في 1906، وفي 1973 بنت أطول برج في العالم آنذاك في مدينة شيكاغو واتخذته مقرا لها، بلغ عدد متاجرها أكثر من 3500 متجر، وتعد أكبر شركة تجزئة أمريكية من حيث الإيرادات، إلا أنه مع تلك النجاحات لم تستطع المواجهة والتنافس في ظل التحول الرقمي الإلكتروني والتجارة الإلكترونية ووجود المنافسين النشطين ذوي الابتكارات النوعية الفاعلة في هذا المجال، وبدلا من مواكبة هذا التطور بتطوير إدارة الابتكار لديها قامت بخطة إغلاق عديد من متاجرها لتخفيض الديون والخسائر المتراكمة عليها، وبالتالي لم تستطع الصمود والاستمرارية فأعلنت إفلاسها في 2018.
وفي المملكة، نرى الدعم المستمر والجهود الكبيرة والملموسة من خلال بنود رؤية المملكة 2030 لإيجاد وبناء اقتصاد متنوع تنافسي مستدام مبني على البحث والتطوير والابتكار، حيث تم تأسيس الشركة السعودية للاستثمار الجريء وما يقوم به صندوق الاستثمارات العامة، للمساهمة في دعم الشركات الناشئة الصغيرة منها والمتوسطة، الذي أثمر عن ذلك ظهور عديد منها، وهي في تزايد ونمو مستمر يظهر ذلك واضحا من خلال أعداد الصفقات المبرمة وقيم التمويل وأعداد المستثمرين من فترة إلى أخرى، وأرى أن أحد الأسباب المهمة لاستمرارية واستدامة نجاح الشركات عموما، يكمن في ضرورة امتلاكها استراتيجية ابتكار متينة فاعلة ومرنة قابلة للتكيف والتغيير حتى تضمن المنافسة والريادة والصدارة.