صرف الدولار والغوث في 2023 «1 من 2»
ينظر المستثمرون عادة إلى سعر صرف الدولار الأمريكي من خلال عدسة "الاحتياطي الفيدرالي". لكن رغم أن دورة رفع سعر الفائدة العنيفة من جانب بنك الاحتياطي الفيدرالي عملت بوضوح لمصلحة الدولار في العام الماضي، فإن الدولار يدين بارتفاع قيمته المبالغ فيها بنسبة 25 في المائة في الأساس إلى التضخم والصدمات الجيوسياسية. ومن ثم، مع انحسار المخاوف من التضخم والصراع العسكري الخارج عن السيطرة، بدأ الدولار يفقد قوته، وهذا يوفر الإغاثة المالية التي تشتد الحاجة إليها في اقتصادات الأسواق الناشئة ويخفف من الضغوط المفروضة على البنوك المركزية الأخرى التي كانت تحملها على إحكام سياساتها.
خلال القسم الأعظم من 2022، سعى المستثمرون إلى الاحتماء بأي ملاذ وسط حشد نادر من الصدمات التي تسببت في تقليص النمو الاقتصادي، وتعزيز التضخم في الوقت ذاته. وفي ظل سياسة نقدية أشد تقلبا من المعتاد، فضلا عن ترابطها الوثيق عبر الاقتصادات المتقدمة الذي انعكس في الزيادات الحادة في أسعار الفائدة في كل مكان تقريبا، ارتفعت تقلبات الدخل الثابت، والنقد الأجنبي، وأسواق الأسهم، وساد الدولار باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسة على مستوى العالم كملاذ آمن.
إضافة إلى ذلك، في حين اضطلع "الاحتياطي الفيدرالي" بدور رائد في تحديد توقيت وحجم زيادات أسعار الفائدة، فقد أضرت سلسلة من الصدمات المستقلة بالنمو في آسيا وأوروبا. وبفضل استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة وبعـدها الجغرافي عن هذه الصدمات، كان اقتصادها معزولا بشكل أفضل مقارنة بأغلب الاقتصادات الأخرى.
واجهت أوروبا التهديد الوجودي المتمثل في خسارة القدرة على الوصول إلى مصدرها الرئيس للطاقة. في استطلاعات المشاعر، انخفضت مؤشرات الثقة بدرجة أكبر كثيرا من انخفاض المؤشرات الاقتصادية، ما يعكس مخاطر إضافية على الأصول الأوروبية. شعر كثيرون بالقلق بشأن المخاطر الضئيلة الاحتمال، لكنها رغم ذلك شديدة التأثير وقد تترتب على قطع إمدادات الطاقة الروسية تماما أو نتيجة لحدث نووي، وهو الاحتمال الأسوأ. أشعلت الحرب الروسية - الأوكرانية أيضا شرارة صدمة شروط التبادل التجاري في مجال الطاقة، ما أدى إلى إعادة التوازن إلى الطلب مع بحث مستوردي المواد الهيدروكربونية في آسيا وأوروبا عن موردين جدد، بما في ذلك في الولايات المتحدة.
كما تسببت السياسات المعمول بها في دول رئيسة في تعزيز قيمة الدولار. حتى كانون الأول (ديسمبر) 2022، كانت الصين تفرض سياسة خفض الإصابات بكوفيد - 19 إلى الصفر، وتسببت في إحداث صدمة سلبية مستقلة على جانب الطلب داخل حدودها وفي مختلف أنحاء المنطقة. وقدمت المملكة المتحدة مساهمتها الخاصة في دفع الطلب على الدولار إلى ذروته بميزانيتها الكارثية في أيلول (سبتمبر) وتشرين الأول (أكتوبر)، وجعلت من ليز تراس أقصر رئيس وزراء خدمة في التاريخ البريطاني، ودفعت اليورو أيضا إلى الانخفاض مؤقتا.
كيف يجب أن تكون توقعاتنا للدولار في الفترة المقبلة؟ تشير الدلائل المستمدة من الـ30 عاما الماضية إلى أن الدولار لا يميل إلى بلوغ ذروة ارتفاعه، عندما لا يكون التضخم في حد ذاته مصدرا رئيسا لعدم اليقين، إلى أن يدخل الاقتصاد الأمريكي حالة الركود بالفعل، وعندما تكتسب استجابة "الاحتياطي الفيدرالي" للركود، الزخم داخل مكون أصول المخاطر في النظام المالي... يتبع.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2023.